ملاحقة "المفطرين".. والمسلسلات والإعلانات
كثيرة هي القضايا التي تستحق أن تطرح للنقاش في شهر رمضان في الأردن، وبعيداً عن هواجس السياسة والتحديات الاقتصادية، فإن أكثر ما يحيرني ويثير استغرابي هؤلاء الأشخاص الذين يُغرقون أنفسهم في العبادات ويلبسون ثياب الورع والتقوى في رمضان، بينما لا يعرفون قيم التسامح والصدق والعطاء باقي أشهر السنة.
قصة الدجاج الفاسد لا تبتعد كثيراً عن هذا المنطق، فهؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون مساعدة الفقراء لا يهمهم إن كان ما يقدمونهم فاسداً.
لا نريد ان ندخل لعبة الاتهامات، لكن من المعيب أن يدفع ثمن هذه الفعلة الشنيعة سائق وموزع ويُترك الآخرون أحراراً، وفي ذات الوقت لا أتقبل حملة الافتراء وتشويه السمعة والاتهام لأشخاص أو شركات دون أدلة، حتى لا تعم الفوضى ويختلط الحابل بالنابل، ويستخدم بعض المنافسين سلاح الإشاعات للإطاحة بمنافسيهم.
في كل رمضان يتجدد الجدل والحديث عن "حرمة الشهر" وتصعّد الحكومة خصوصا الحكام الإداريين لهجتهم المتوعدة لكل من يفطر في رمضان، وآخر القصص التي أصبحت حديث الأردن مداهمة مطعم سياحي بالقرب من مأدبا، والأنكى تصوير الأشخاص "المفطرين" في المطعم وتسريب هذا التصوير.
لن أدخل في جدال فقهي وديني، وإنما أتساءل كيف تجيز الحكومة للمطاعم السياحية أن تمارس عملها خلال شهر رمضان وتقوم بعد ذلك بمداهمة هذه المطاعم؟
وأتساءل أيضاً هل يُعطي الحكام الإداريون موافقات لبعض المطاعم التي ترغب في فتح أبوابها خلال رمضان، وإن فعلت ذلك لماذا تلاحقهم إذن؟
وأيضاً أين المجاهرة بالإفطار لأشخاص يجلسون في مطعم مغلق الأبواب وغالبية المطاعم في رمضان تلتزم بإسدال الستائر مراعاة للصائمين؟
باعتقادي ما تقوم به الحكومة من ملاحقات في رمضان إجراءات غير مبررة، وبعضها كيدي، وانتقائي وفيه مغازلة للشارع ومزاودة وركوب لموجة "تسييس الدين" واستخدامه.
الصيام فريضة مثل الصلاة، وهناك الكثيرون ممن لا يؤدونها فهل تنوي الحكومة أن تجبر الناس أن يتوجهوا الى المساجد لأداء الصلاة قسراً. يا حكومة اتركوا العبادات بين الإنسان وخالقه، فلا إكراه بالدين؟!
واللافت في رمضان موسم المسلسلات الذي يكتسح الشاشات ولا تكفي كل أيام السنة لمشاهدتها، والجديد منذ سنوات محاولات تطوير منظومة الإعلانات لتشكل مساهمة في دعم قيم الإحسان والبر.
شركة زين للاتصالات كانت رائدة في هذا المجال، ورغم النقد الكبير لإعلانها العام الحالي، إلا أنه يعرّي الإرهابيين بمضمون محبب للناس، وكان على المنتقدين أن يقولوا ذلك بوضوح دون انتقاص، ويشيروا بذات الوقت إلى أن المستبدين والطغاة شركاء للإرهابيين في المأساة ولا يمكن تجاهلهم أو غض النظر عنهم.
الانتقادات طالت كذلك مسلسل "غرابيب سود" الذي يتحدث عن يوميات وحياة الناس مع تنظيم "داعش" في الرقة. لست ناقداً فنياً ولا مؤرخاً، ولكن أفهم أن العمل الدرامي مهما كان دقيقاً لا يمكن أن يحقق شروط العمل البحثي المحكم، ولن يكون توثيقاً أميناً للتاريخ والأحداث، فالدراما تحتاج الى تشويق دون تجاهل للصدقية وابتعاد عن تزييف الحقائق.
لا أدري لماذا يغضب البعض من انتقادات لتنظيم "داعش"، هل أزعجتهم سطحية العرض والفكرة، غالبية المسلسلات كذلك، هل ضايقتهم إعادة طرح فكرة "جهاد النكاح" باعتبارها أكذوبة، وهل هذا التنظيم الوحشي منزه عن ارتكاب هذه الأفعال؟
أكثر النقد للمسلسل مرتبط بالتخندق والاستقطاب الطائفي أكثر منه نقدا فنيا للعمل الدرامي وتركيزا على تكذيب فكرة وتعميمها، وكأننا بذلك نصبح مدافعين بشكل أو بآخر عن تنظيم إرهابي؟!
بالمجمل تسيطر مجموعة "MBC" على الشاشة التلفزيونية في رمضان وتتحمل مواجهة الجمهور المادح والغاضب منها، والأمر لا يتوقف عند مسلسل "غرابيب سود"، بل يمتد الى "رامز جلال" ومقالبه التي دار حديث مطول بأنها مفبركة وتتم باتفاق، ورغم الهجوم لم تتوقف "MBC" عن عرضها.
الحقيقة أن رامز جلال لا يستطيع أن يستمر في تسويق بضاعته الفاسدة لولا وجود عرّابين ومستفيدين، وهذا العام كان الغطاء الإعلامي "نيشان"، وعلينا أن لا نبرئ الجمهور الذي يشتم الإسفاف ولكنه يُقبل عليه ويتابعه.
أشياء كثيرة في رمضان غريبة مثل أن يستمر مسلسل "باب الحارة" في موسمه التاسع، وأن تعيش مع "عفاريت عادل إمام".
الغد 2017-06-04