في رمضان.. للفقر رائحة أخرى
عالم كامل قائم على استهلاك زوائد وفائض «فضلات الطعام»، فقط مجرد تفحص لائحة المبادرات الاجتماعية والخيرية في الشهر الفضيل، فاكثر ما يستهلكه الفقراء والمحتاجون في شهر الصوم وخارجه زوائد وفضلات طعام ويضاف اليها في هذا الموسم الرمضاني مواد غذائية فاسدة وغير صالحة للاستهلاك البشري، وفضيحة الدجاج الاخيرة ما زالت تمغص مِعَد الاردنيين.
في رمضان ينمو ويزدهر نشاط مساعدة الفقراء، وذلك عبر اطعامهم فائض الطعام الذي قد يتبقى على موائد المترفين والزائد عن حاجة المطاعم والفنادق الفارهة، بعدما تنتهي صلاحية اعادة تدويره للزبائن على مدار الزمن الممكن.
طعام الفقراء من « فضلات وزوائد» قد يذهب اليهم عن طريق حملات «فعل الخير «، او عبر رحلة الفقراء الصادمة للضمائر والتي نراها كل يوم في تنقيبهم المضني عن بقايا الطعام في حاويات امانة عمان، وما قد يفيض عنها من زوائد قد تسد رمق جائع في شهر الصوم الفضيل.
حكايات كثيرة تنسج وتحاك حول الفقراء في الاردن، التقارير الرسمية والدولية تزخر بأرقام وتوقعات وافتراضات، ولكن ما قد تراه بأم عينك وما قد تسمعه من روايات لفقراء لا يجدون الا في فائض وزوائد الطعام ملجأ لقوتهم اليومي ابلغ واكثر واقعية من كل الارقام والتقارير والدراسات.
هناك تروى عيون شاخصة بالقرب من الحاويات تنتظر ما قد يقذفه الناس من زوائد وفضلات فائض موائدهم، هي حكاية يومية ولكنها في رمضان تزداد شدتها، ويبدو أنها خيار كثير من الفقراء والمحتاجين والضعفاء ممن تقطعت بهم ضالتهم ولم يجدوا طريقا الى موائد الرحمن.
كثرة المبادرات في رمضان لا تعني ان الفقراء في خير وعافية، فبعضها ينطلق من دافع انتخابي واستعراضي اجتماعي بحت، التكافل والتضامن الاجتماعي المصالحي الكاذب والمخادع اكثر ما يشتغل به جشعون وطامعون يستظلون لتمرير «اجندات سوداء» وراء حاجات الفقراء والضعفاء والغلابة.
ولربما ما هو أهم في استعراض خرائط الفقر في عمان ومدن الاطراف المهمشة على امتداد خارطة الوطن المجروح أننا امام كارثة وطنية ملخصها تفاقم الازمة المعيشية وتردي عيش شرائح اجتماعية واسعة تنزلق يوميا الى مربع الفقر وتحت خط الفقر، والى درجة أنهم باتوا غير قادرين على تأمين قوت يومهم خارج التنقيب عن فوائض وزوائد الطعام من الحاويات والتسول وقبول المساعدات والاغاثات العينية.
مع هكذا صور يتجدد السؤال عن الفقر في الاردن، فالمبادرات الخيرية كثيرة ولكن ما هو محزن أن اغلبها يتغطى بالفقر للانفاق على سهرات رمضانية من العيار الفاخر تقام في فنادق خمس نجوم، وتحت بريق اضواء خافتة واصوات ساطعة ولا ينقصها الا راقصة لـ»هز الوسط «، فاتورتها تدفع من جيوب الفقراء والضعفاء والمعدمين ويبدو أن مصيرهم اسود ، فقدرهم أن يسرقوا مرتين بل ثلاثة، حتى تزداد كروش الجشعين والطماعين والحرامية انتفاخا، وأي قدر أسود هذا !
الفقراء لا تنقذهم مائدة رحمن أو طرد خير، لا بد من تغيير بنيوي في النظام الاقتصادي والاجتماعي، حتى لا تزداد اعداد المنزلقين والمنحدرين الى القاع المختنق بالفقر والعوز والتهميش. الاردن لم يعد بلادا يخفي اسرار معاناة اهله، ورمضان لم يعد هو الشهر الوحيد الفاضح للفقر والعوز و» قلة الحيلة ».
الدستور / الأحد / 4-6-2017