هل انتصر النظام السوري؟
يبدو النظام السوري، اليوم، في احسن حالاته، لاعتبارات كثيرة، ولربما المحللون المحسوبون على النظام السوري، يعتقدون بشكل واضح، ان الازمة السورية، انتهت لصالح النظام، بسبب عوامل محلية واقليمية ودولية، وهذا احتفال مفهوم، لكنه يفترض بشكل مستعجل، ان لا سيناريوهات اخرى.
السيناريو الغائب، الذي يبقى واردا الى حد كبير، سيناريو تقسيم سوريا، وقبيل الكلام عن هذا السيناريو، لابد ان نشير الى ان الملف السوري تعرض الى تغيرات جوهرية كبيرة، خلال الشهور الاخيرة، بما يصب لمصلحة النظام السوري وقوته، من حيث المبدأ.
ابرز هذه التغيرات مايتعلق اولا، بسقوط المعارضة السورية السياسية، وضعفها، وتوزعها، وعدم قدرتها على صياغة رؤية موحدة، تجبر النظام السوري على التجاوب معها، فقد صمد النظام السوري، في وجه المعارضة، واشترى الوقت، لمصلحته، بحيث أدت المعارضة السورية دورا وظيفيا، دون ان تعرف، بتغطية دولية، ادت نهاية المطاف الى اثبات النظرية التي تقول ان المعارضة السياسية في الخارج ليست بديلا عن النظام، وهو الامر ذاته الذي ثبت بشأن التنظيمات العسكرية، التي لم تكن قادرة على حسم الواقع الميداني، اما بسبب قلة الدعم، او بسبب تعارض اجندات الفصائل، ومرجعياتها، او حتى بسبب تسلل تنظيمات متشددة الى المعارضة العسكرية، جعلت النظام اقل خطر على العالم، من هذه التنظيمات، وقد سمعنا مرارا كلاما عن ان النظام لم يعد اولوية، وان محاربة الارهاب، باتت اولوية.
التغير الثاني يتعلق باستنفاذ العالم لاهدافه الخفية من الصراع السوري، فقد تم تدمير البنية السورية، والاقتصاد السوري، وتشظية البنية الداخلية على الصعيد الوطني، وتمت التوطئة لعقود من الكراهية بين السوريين على اساس ديني او مذهبي او طائفي، وبما ان هذه الغايات قد تحققت وفقا لمن يخططون عالميا، فقد آن الاوان الى تثبيت هذه النتائج، وتحويلها الى وقائع جديد، في ظل سورية مدمرة ومحطمة، على كل المستويات.
يأتينا التغير الثالث والمتعلق بأنجازات المعسكر الايراني السوري العراقي، على صعيد الحرب على الارهاب، اذ ان نتائج ماجرى في الموصل ترتد على سوريا ايضا، وماسنراه في الرقة ومناطق جنوب سورية، يثبت ان المعارضة بشكلها المتطرف، في نهاية ايامها، في حين ان بقية انماط المعارضة العسكرية، غير المتطرفة، مرتبطة باجندات الدول الممولة، وتتأثر بقوة بتغيرات الواقع الاقليمي والدولي، ومايمكن قوله هنا، ان النظام السوري امامه وقت قصير جدا، ولربما عدة شهور حتى ينهي اخر هذه التنظيمات.
اما التغير الرابع والاهم، فيتعلق بالدور الايراني في المنطقة، الذي يستفيد فعليا من كل الاوضاع والازمات العربية، ويستثمر فيها بشكل واضح، بما يصب لمصلحته، ومصلحة الحلفاء معه، وكل المؤشرات تقول ان طهران هي المستفيدة الاولى والاخيرة، من كل هذا الاضطراب الاقليمي، وان استفادتها تتعاظم يوما بعد يوم، بما يجعل الهلال الشيعي واضحا في عز النهار من ايران مرورا بالعراق وصولا الى سوريا والبحر الابيض المتوسط.
كل هذه العوامل وغيرها، تفصيليا، تصب لمصلحة النظام، الذي يبدو على مشارف انتصار كبير، هو وسلسلة تحالفاته، لكن السؤال الاهم يتعلق بالذي ستفعله واشنطن، وهل ستترك ثمار الازمة السورية، للنظام ومرجعياته في ايران، ام تخطط الان لمخطط جديد يعيد انتاج الازمة السورية، ويرتد سلبا على طهران، في المحصلة؟!.
الاغلب ان الولايات المتحدة، لن تدع الازمة السورية، لتنتهي لصالح النظام السوري، بشكل مطلق، دون ان تحصل على حصتها في النتائج، وهذا يعني احد امرين اما صفقة مع النظام السوري وايران، تسمح للنظام بترسيم انتصاره، مقابل تحقيق مصالح اميركية وعربية محددة في المنطقة، واما الدخول الى سيناريو اخر، وهو سيناريو التقسيم، لمنع النظام ومرجعيته في طهران، من الاستمتاع بأنتصاره بعد هذه السنوات.
هذا يعني بشكل واضح ان المنطقة امام امرين، اما التقسيم الجغرافي لسورية، واما الوصول الى تسوية كبرى بين الفرقاء، والمؤكد في كل الاحوال ان الخاسر الوحيد هو الشعب السوري، ومعه العرب السنة، الذين باتوا مجرد فرق صغير في حسابات الفرقاء.
الدستور 2017-07-02