في مسالك الاعتبار
يصح في الذين يتولون كبر الفتن في الارض, ويوقدون نيران الحروب, ولا يبيتون الا على خطة للفساد وقهر العباد..
يصح في هؤلاء قول الشاعر:
الناس يأتمرون الرأي بينهم
والله في كل يوم محدث شأنا
ذلك بأن غرور الجبابرة يصوّر لهم أنهم قادرون على ان يحددوا مصائر الامم وأن يتلاعبوا بها على نحو ما يشاءون, وكم في ذلك من خطل الرأي ومن قصور الفهم, وكم فيه من الغفلة عن سنن الله في خلقه, وعن اخذه القرى وهي ظالمة وعن بغتاته في مترفيها وفراعنتها وهم يخصّمون.
***
إن مغامري السياسة في عالمنا المعاصر لا يقرأون, والا لوعظهم ما انتهى اليه فرعون والنمورد وسابور ذو الاكتاف ونيرون وغيرهم من جبابرة الارض التي ردّو اليها ولم يجدوا عنها مصرفا..
إنهم في شغل بأرقامهم وما يكنزون, وبما هم فيه من علو واستكبار عن آجالهم التي تتربص بهم, وإلا لأدركهم لون اعتبار بما هم عليه مقدمون, سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلا..
***
ولقد كان خلفاء بني العباس (هارون الرشيد مثلاً) يوصون مؤدبي أولادهم بأن يعلموهم التاريخ وأشعار العرب حيث يظهرهم التاريخ على تقلّب الاقدار بذوي الاخطار ويظهرهم الشعر على قيم العرب ومروءاتهم. ولا يزال من شأن التاريخ والادب أن يصقلا النفوس, ويرهفا الأذواق, ولا يزال من شأنهما النهي عن الاغترار وتوجيه العقول الى مسالك الاعتبار.
***
وليست الحكمة مقتصرة على امة العرب دون غيرها من الامم فهي اعدل الاشياء قسمة بين الناس, كما هو العقل, ونحن لا نعدم في أمم الشرق والغرب اليوم من يحذّر من مغبة التجبّر والاستكبار, ومن يتخذ التاريخ له شاهداً ومبشراً ونذيراً..
***
وثمة في الجبابرة كبار وصغار, وصغار الجبابرة اكثرهم لؤماً, ونذكر من هؤلاء احمد بن الخصيب الذي استوزره المنتصر العباسي وندم على ذلك, فقد ركب ذات يوم وتظلم اليه متظلم من عامة الناس بقصة (ورقة يذكر فيها ظلامته) فأخرج رجله من الركاب فزج بها – والرواية للمسعودي في مروج الذهب – في صدر المتظلم فقتله, فتحدّث الناس بذلك, فقال بعض شعراء ذلك الزمان:
قل للخليفة يا ابن عم محمد
أشكل وزيرك, إنه ركّال
***
وبعد فكم في التاريخ من دروس ومثلات ولكن اكثر الناس لا يقرأون.
الراي 2017-07-06