رفض الشعوب للتطبيع
هناك حرب نفسية يشنها الكيان الصهيوني على الأمة هدفها استدراج الرافضين والمترددين إلى مربعات التطبيع معه، من دون أن يغير شيئا من مواقفه من الصراع، بل في ظل إصرار مدجج بالغطرسة على ذات المواقف القديمة، بل ما هو أسوأ منها.
يوميا يتحدث القادة الصهاينة، وإعلامهم عن لقاءات سرية مع مسؤولين عرب، ويوميا يبشرون بزمن التطبيع القادم، والانتقال من السري إلى العلني.
في واقع الحال، من الصعب الحديث عن نقلات كبرى في التطبيع مع الكيان الصهيوني ظهرت في الآونة الأخيرة، فالزيارات التي يقوم بها سياسيون أو أمنيون خارج الخدمة ليست جديدة، وإن بدا بعضهم أكثر تبجحا في الإفصاح، لكن ما يفعله الكيان هو الإيحاء بوجود لقاءات سرية تشجّع المترددين عل خوض غمار التجربة، وهذه لعبة معروفة، مع العلم أن الصهاينة نادرا ما أخفوا أمر اللقاءات السرية لكثير من الوقت، وهم عادة ما يكشفون الأمر متجاهلين رغبة الطرف الآخر في إخفائها، ولا حاجة لذكر الأمثلة التي يعرفها أكثر الناس.
هي حرب نفسية لتوريط المترددين من جهة، وتطبيع العقل العربي الشعبي على وجود ذلك التطبيع، والتعاطي معه كأمر واقع، وحين تنشأ هاشتاغات تدعو للتطبيع، وإن يكن أصحابها معزولين، فذلك نوع من الاستجابة لتلك الحرب النفسية، لكن الوضع ما يلبث أن ينقلب على هذا الصعيد، إذ يأتي الرد عاصفا من قبل الرافضين، وعلى نحو لا يُقارن أبدا بالأصوات المعزولة التي تذهب في الاتجاه الآخر.
لا خوف لدينا من التطبيع الشعبي، وإن كان التحذير منه أكثر من ضرورة، فالتجربة المصرية والأردنية، أثبتت أن الجماهير ليست في وارد الاستجابة، وهي لا تزال على موقفها في اعتبار فلسطين قضيتها المركزية، وفي رفض الوجود الصهيوني بكل تجلياته، ولولا أن الوضع الفلسطيني في أسوأ حالاته، لكان المشهد أفضل بكثير، ذلك أن المقاومة هي من تفعّل الرفض، وحين يتورط فلسطينيون يُعترف بهم كممثلين للشعب من قبل الأوساط الدولية والعربية، فيما يتجاوز التطبيع، أعني التعاون الأمني مع العدو، فلا يمكن للمرء أن يتوقع بقاء القضية بذات الحيوية التي تكون عليها حين تكون المواجهات مندلعة مع الكيان، بما تنطوي عليه من بطولات وتضحيات.
ومن هنا، فإن توجيه اللوم للفلسطيني الذي يطبّع مع العدو أو يتعاون معه أمنيا ينبغي أن يكون أكثر وضوحا، حتى لو قيل إن بعض ذلك يتم بحكم الاضطرار. أما الوضع الرسمي العربي، فقصة أخرى، ذلك أن التعاطي مع الكيان الصهيوني كمفتاح لقلب واشنطن لم يفض إلى نتيجة عملية،. وحتى لو صحّ ذلك جزئيا، فإن بيع القضية، ومن ورائها إدارة الظهر لجماهير الأمة ليس ثمنا بسيطا يمكن تحمّله بسهولة.
في المبادرة العربية (2002)؛ وعد بالتطبيع العربي في الحال القبول بحل الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، مع تنازل عملي عن حق العودة، بالحديث عن “حل متفق عليه” لهذا الملف، لكن الكيان الصهيوني لم يأخذ تلك المبادرة على محمل الجد، ولا شيء لديه الآن سوى تكريس حكم ذاتي محدود بدون قدس ولا سيادة، ما يجعل التطبيع في ظل هذا الوضع الذي تضاف إليه حملات الاستيطان والتهويد جريمة كبرى لا ينبغي أن يتورط فيها أي نظام عربي، ومن يفعل لا ينبغي السكوت عليه تحت اي ذريعة فضلا عن عدم امتلاكه لأي مبرر مقنع، سوى الأمل بتحصيل الرضا.
الدستور 2017-07-09