الجديد في اعتقال جهاد بركات؟
الجديد في عملية اعتقال الصحفي الفلسطيني جهاد بركات، من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، هي انّه، بحسب الرواية المتداولة على نحو واسع، والتي لم تكذبها مصادر فلسطينية رسمية، كان يصوّر ممارسات لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهذه ربما المرة الأولى التي يعتقل شخص لهذا السبب، من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولم يكن التصوير أو الكتابة عن ممارسات الاحتلال يشكل تهمة يستطيع الاحتلال محاكمة الصحافيين عليها، وإن كان يجري الاغتيال والاعتقال بطرق أخرى. وبطبيعة الحال فإنّ ما تقوله الرواية المتداولة أن الاعتقال لأن الممارسات هذه كانت ضد رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله. وهذا يؤدي لتشويش كبير، حول طبيعة العلاقة مع الاحتلال وكيفية الرد عليه.
لنتخيل أنّ التصوير تمّ وانتشر، ثُم كان هناك تكتيك رسمي إعلامي يتخطى الإحراج الممكن، بالهجوم للأمام، بأن تتصدى الأجهزة الفلسطينية نفسها لتوثيق ما يحصل ونشره لكل العالم، على قاعدة هذا ما يحدث مع رئيس الوزراء، فما بالكم بالمواطن العادي. أي أن تتشارك مع الصحافة في خطاب موجه للعالم يرفض السياسات الإسرائيلية. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قد صرّح شخصياً سابقاً مهاجماً واقع أن جزءا من حركته هو شخصياً يقيده الاحتلال.
بات معتاداً مؤخراً أن كل ما يقوم به الاحتلال من ممارسات وجرائم ينفجر بين الفلسطينيين أنفسهم، وتحديداً بين الجهات الرسمية الفلسطينية وجهات أخرى. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أدى اعتقال النائب في المجلس التشريعي، القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خالدة جرار، لجدل بين الناطقين باسم حركة "فتح" والجبهة.
قبل هذا "انفجر" اغتيال الإسرائيليين للمناضل باسل الأعرج، على شكل مظاهرات ومصادمات أمام المحاكم الفلسطينية، وفي الشارع الفلسطيني، وبين السلطة والمحتجين.
من الواضح أنّ المتوقع من السلطة الفلسطينية، ومن القيادة الفلسطينية، شعبياً، أكثر كثيراً من مجرد الإدانة والرفض والتلويح بعيد المدى بمحكمة الجنايات الدولية والقانون الدولي وأكثر من تحميل الاحتلال مسؤولية ما يحدث.
عدم القيام بالمواجهة ضد العدو الخارجي بطريقة مقنعة تحشد الشارع في هذه المواجهة بشكل موحد، تعني بالتأكيد انتقال الجدل للداخل.
جاءت قضية جهاد بركات، على وقع الجدل بشأن حجب مواقع انترنت إخبارية معارضة، بقرار رسمي فلسطيني، في مؤشر آخر على استنزاف الطاقات الفلسطينية في الجدل الداخلي.
أحد الردود المفضلة على أي انتقاد للسياسات الرسمية الفلسطينية، في رام الله، بحق حرية الصحافة، أنّ الوضع في قطاع غزة، أسوأ، وهذا أمر قد يكون صحيحا، تماماً، ولكنه لا يبرر ما يحدث.
لقد أنجر الفلسطينيون في كل مكان، من غزة إلى الضفة الغربية، وحتى الشتات، للجدل الداخلي، وأحد فصول هذا الجدل، على سبيل المثال، الجدل العلني، في الإعلام، الذي لم يثر اهتماما شعبيا، بين وزارة الخارجية الفلسطينية ودائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية، حول من هو المسؤول عمن يسمى "المغتربين"، والمقصود الفلسطينيين، ومنهم من هو من اللاجئين الممنوعين من العودة لفلسطين، ويصعب تسميتهم بالمغتربين ومنهم من هو مغترب بالمعنى التقليدي للاغتراب لأغراض العمل والدراسة وما شابه، وذلك بعد إصدار الرئيس الفلسطيني قرارا بقانون لتغيير اسم الوزارة لتصبح "وزارة الخارجية والمغتربين".
عندما يوجد مواجهة مع الاحتلال إعلاميا وسياسا ودبلوماسية، ووفق خطة تدمج فيها مجمل الفئات الشعبية، وعندما يجري وضع سياسة تصعيد مضاد، وتصدي واضحة للاعتداءات الخارجية، فإنّ الجهات التي تعمل لأجندات شخصية غير وطنية معادية، ممن قد يدّعي مثلا اصحاب قرارات حجب المواقع الالكترونية أنهم منهم، تصبح اهمية هؤلاء هامشية، ولا أحد يهتم بهم.
لقد كانت عمليات الاغتيال والاعتقال للفلسطينيين، من نوع اعتقال خالدة جرار وغيرها الكثيرين، عامل توحيد دائم للفلسطينيين، وبالتالي فعندما تؤدي مثل هذه الاحداث لجدل داخلي يجب أن يقرع هذا جرس الإنذار أنّ هناك خللا كبيرا.
ستنتهي حالة الجدل هذه إذا تطورت عملية المواجهة السياسية والقانونية والميدانية المدنية، وجرى تقديم إجابات عملية، عن كيف تنوي القيادة الفلسطينية وضع حد لعمليات مثل اغتيال الفلسطينيين، واعتقالهم واعتقال قياداتهم من قلب المدن الفلسطينية، وتواجه عمليات الإذلال والسيطرة اليومية للفلسطينيين الأفراد العاديين والقادة على السواء، وحينها ستخرج الجماهير دفاعاً عن قادتها.
الغد 2017-07-11