الدولة والسراب !!
بضعة اعوام فقط هي المسافة بين كتاب الصحفي الفرنسي بنيامين بارت « حلم رام الله « او السراب، وبين آخر عبارة اطلقها مندوب فرنسا في مجلس الامن . بارت وصف ادق التفاصيل حتى في الحياة اليومية للناس في رام الله وسجل ملاحظات تردد كثير من الصحفيين العرب في البوح بها، وكان الرجل قد مكث فترة من الوقت كمراسل صحفي تكفي لرصد ظواهر تتجاوز السياحي الى السياسي والسايكولوجي، وخلاصة ما قاله بنيامين بارت هو ان الدولة الفلسطينية ستبقى اقرب الى السراب اذا لم يتغير المشهد الاحتلالي وبالتحديد الخرائط الجديدة التي رسمها الاستيطان بالدبابة والجرافة معا .
اما مندوب فرنسا في مجلس الامن فقد قال بالحرف الواحد ان بقاء الاستيطان على هذا النحو في الاراضي المحتلة يجعل من الدولة مجرد سراب ! اما العبارة التقليدية التي استخدمها فقهاء الدبلوماسية وخبراء الثورات المتقاعدين وهي دولة قابلة للحياة، فهي ذات دلالات واضحة، وتفرق بين دولة تولد ميّتة وغير قابلة للحياة وبين دولة تتوافر على عناصر البقاء والديمومة، رغم اننا نعتقد بأن الدول غير القابلة للحياة، ليست من تضاريس هذا الكوكب السياسية بل هي من ابتكار الخيال واحلام اليقظة، لكن لماذا استخدم صحفي ودبلوماسي فرنسيان مصطلح السراب ؟
ونحن العرب اولى باستخدام هذا المصلح الذي افرزته الصحراء، لكن الغرب طالما بحث بفضول استشراقي عن كلمات شبه سحرية ، فأطلق الفرنسيون على نوع من طائراتهم اسم ميراج وهو السراب، مثلما اطلق الامريكيون اسماء سيارات مأخوذة عن اساطير الهنود الحمر ومنها ثندر بيرد او طائر الرعد !
لقد بدأ الغرب يشعر بأن الاستيطان قضم مساحات كبيرة وخضراء من الاراضي الفلسطينية، وجاءت خرافة الاستحقاق الديموغرافي لتضاعف من هذا القضم والمقصود به تكاثر المستوطنين وتعدد اجيالهم ، وكأن الفلسطينيين اصحاب الارض توقفوا عن الانجاب واصابهم العقم، والحقيقة عكس ذلك تماما.
اما اذا كان هناك اناس يصرون على ان يرووا ظمأهم ويتوضأوا ويغسلوا موتاهم من السراب فذلك شجن آخر .
الدستور 2017-07-30