"داعش" و"إسرائيل".. المبدأ والمصير!
على الرغم من نقاط التشابه الكثيرة بين كياني "داعش" و"إسرائيل"، فإن أحد الفوارق المهمة هو اعتراف جزء مهم من العالم بـ"دولة إسرائيل"، بدءاً من قرار التقسيم الذي أقرته الأمم المتحدة بُعَيد نشأة كيان الاحتلال، في حين لم يعترف أحد بـ"دولة الخلافة" الداعشية.
ومع ذلك، يشترك الكيانان في أنهما تكوينان مكروهان إلى حد كبير أيضاً. وفي حين وجد "داعش" الإدانة والإنكار من المسلمين أنفسهم إضافة إلى بقية العالم، تواجه "إسرائيل" الإدانة من قسم مهم من اليهود، إضافة إلى القانون الدولي والمنظمات الإنسانية وبعض الدول التي تستطيع المجاهرة بالنقد. وعلى سبيل المثال، حمل يهودٌ أرثوذوكس يافطات أمام مقر "آيباك" في الولايات المتحدة، تقول: "دعم (إسرائيل) ليس دعم اليهود واليهودية". وهناك حركة "جيه ستريت" اليهودية المنتقدة لدولة الكيان بشدة، وحركة "ناطوري كارتا" اليهودية-الفلسطينية. وهناك التغيرات في وجهات نظر الشباب اليهود في أوروبا في اتجاه فقدان الأوهام إزاء "ديمقراطية إسرائيل". كما يشير النجاح الكبير الذي تحرزه حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات العالمية المناهضة لسياسات الكيان إلى المزيد من عزل الكيان.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة أصوات مهمة، أصبحت تجرؤ على استنطاق جدوى التحالف بين الولايات المتحدة ودولة الكيان. وعلى سبيل المثال، نشر الأكاديميان الأميركيان ستيفن وولت وجون ميرشايمر كتاباً عن "تأثير اللوبي الإسرائيلي في السياسات الخارجية الأميركية"، وعرضا فيه الأضرار الأخلاقية والموضوعية التي تتعرض لها الولايات المتحدة جراء اقتران سياساتها بسياسات دولة الكيان. كما يساهم عدد متزايد من الكتاب والمؤرخين اليهود في فضح الأسس غير الأخلاقية التي قامت عليها "إسرائيل" على حساب الشعب الفلسطيني.
هذه العيوب البنوية في تكوين "إسرائيل" والتي تشبه عيوب "داعش"، تقترن بحقيقة أن الكيانين يظلان صغيرين نسبياً ويعملان في محيط من الأعداء. بل إن "داعش" الذي يصل إلى نهايته في طور "الدولة" على الأقل، يعمل في محيط أكثر تقبلاً باعتباره يطرح برنامجاً إسلامياً، مقارنة ببرنامج كيان الاحتلال المعادي تماماً للعرب والمسلمين، في قلب منطقتهم. لكن الذي أتاح لـ"داعش" و"إسرائيل" الازدهار (دون إغفال الفارق في العُمر)، لم يكن القوة الذاتية بقدر ما هو ضعف النقيض. وهذه المعادلة قابلة للتغير في أي لحظة، كما حدث فعلاً في حالة "داعش"، وربما يحدث في حالة "إسرائيل".
ربما كانت الصفة الأبرز في نهج الكيانين هي الصلف والغرور. وقد عمل "داعش"، مثلما عملت "إسرائيل" وما تزال، على الاستفزاز الدائم لمشاعر الشعوب والدول دون اعتبار لردة الفعل الممكنة. ومثلما تعمد "داعش" إعدام أسراه من مواطني الدول الأخرى على الملأ، يعمد الكيان إلى إهانة مشاعر الشعوب العربية، سواء بقمعه الشرس للفلسطينيين، أو باستهداف مواطنين عرب، كما فعل أثناء عملياته العدوانية في لبنان وسورية ومصر، وأخيراً سلوك حكومته الاستفزازي في حادثة سفارته في عمان. وتاريخياً، كانت صفة "الغرور" أولى الخطايا التي غالباً ما تذهب بصاحبها إلى نهايات مأسوية.
في حالة "إسرائيل"، المتقنفذة والمتوترة برغم كل التنمر الخطابي، يتعقب معظم المعلقين الوجهات إلى حتمية تعريف الكيان بحقيقته: نظام فصل عنصري، يمارس التمييز الوحشي ضد قسم كبير من مواطنيه، بالإضافة إلى كونه كيان احتلال. وربما يكون هذا التعريف أكثر خطراً على الكيان من الخطر العسكري الذي يبدو غير محتمل في المستقبل القريب. وقد عبر الكاتب الفيتنامي الأميركي، لِن دِن، عن احتمالات هذا المصير في مقال له بعنوان "نهاية إسرائيل"، والذي كتب في خاتمته: "ثمة دولة فصل عنصري أخرى، جنوب أفريقيا، والتي أُجبِرت على إعادة تشكيل نفسها بعد أن أُدينت ونُزِعَت عنها الشرعية على نطاق عالمي، وبالتالي، فإن نهاية إسرائيل بادية في الأفق. ومن دون هذا النهج الذي لا نهاية له من العناد والكذب المتواصل، سيكون العالم مكاناً أفضل بكثير. آمين".
كما أظهرت حالة "داعش"، فإن الوحشية والعدوان ليستا أفضل وصفة للديمومة. وفي حالة هذه الكيانات المصنوعة، تنتهي إمكانيات الوجود بمجرد شعور الجهات الراعية بأن أضرار هذه الرعاية ترجح على فوائدها. وسيكون مصير "إسرائيل" مرهوناً إلى حد كبير بشعور أميركا والغرب بثقل العبء الأخلاقي والمادي الذي يرتبه الاستمرار في رعاية كيان احتلال عنصري، بقدر ما يرتبط ذلك بتغيُّر ربما يأتي في الحالة العربية.
الغد 2017-08-03