«إس 400» ونزيف أمريكا السياسي
تعرضت تركيا لحملة اعلامية ودبلوماسية شرسة من قبل الولايات المتحدة والدول الاعضاء في حلف الناتو طوال فترة الازمة السورية بل ما قبلها، وتم التشكيك بمواقفها وتحالفاتها واتهمت بين الحين والاخر في تلميحات لا يمكن التغاضي عنها بأنها داعمة للارهاب، وبلغت الحملة ذروتها في اثناء احتجاجات «ميدان تقسيم»، ولم تتوقف الحملة اذ شملت التدخل في الشؤون الداخلية ومحاولة التأثير على الانتخابات البرلمانية والرئاسية بل على الاستفتاء الذي اجرتة لتعديل الدستور وقدمت دول اوروبية دعما خفيا ومعلنا للاكراد الانفصاليين بلغ ذروته بتجاهل واشنطن لمصالح تركيا في سوريا من خلال التحالف مع الاكراد الانفصاليين وتسليحهم.
مستوى الثقة بين الغرب والقوى الاقليمية وتركيا واحدة منها بلغ الحضيض خصوصا بعد معركة حلب واسقاط الطائرة الروسية اذ تخلى الغرب عن تركيا، وبلغت الشكوك مستوى عاليا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة؛ ما ساهم باستدارة تركية كاملة ومراجعات كبيرة لعلاقاتها مع القوى الغربية افضت مؤخرا الى عقد صفقة لشراء صواريخ اس 400 المخصصة للدفاع الجوي مع روسيا رغم اعتراض دول حلف الناتو.
ما يحدث في الاقليم يشير بوضوح الى ان القوى الدولية الطامحة على رأسها الصين وروسيا الى جانب القوى الاقليمية الصاعدة باتت اكثر نزوعا الى تحدي الارادة الامريكية في المنطقة فأمريكا لم تعد تواجه روسيا منفردة بل هناك مروحة واسعة الدول تتعاون فيها القوى الاقليمية والدولية لمواجهة النزعات الامريكية للهيمنة؛ فهي دول لم تعد راضية عن معادلة الأمر الواقع التي استقرت عقب الحرب العالمية الثانية منذرة بتحولات مهمة في موازين القوى على مستوى الاقليم وعلى المستوى الدولي.
التحولات الجارية في الاقليم والساحة الدولية جاءت في ظل ترنح واضح في الولايات المتحدة الامريكية على وقع الازمة الداخلية، والتي اضعفت حضورها في الساحة الدولية والاقليم العربي وباتت مصداقية الولايات المتحدة على المحك، فالتصريحات الاخيرة لوزير الخاريجة الامريكية تجاه النظام السوري او التحركات في الخليج العربي وبحر الصين لم تعد تؤخذ على محمل الجد.
امريكا غارقة في ازمة مزدوجة خارجية وداخلية تجعل من حلفائها واصدقائها اكثر المتشككين بقدرتها على رسم معالم سياسة مستقرة وثابتة؛ ما يعني ان الخسائر الامريكية ستتضاعف خلال الاشهر المقبلة والسياسات المتبعة من قبل الحلفاء والاعداء ستزداد تشككا بالسياسة الامريكية، وهو نزيف لن يتوقف ما يعني ان العالم والمنطقة العربية بما فيها غرب اسيا مقبلة على تحولات واسعة في موازين القوى ونقلات كبيرة يجب ان تضعها دول المنطقة بعين الاعتبار؛ فالمنطقة مقبلة على تغيير كبير لن توقفه التحذيرات والتهديدات الامريكية بين الحين والاخر والخاسر سيكون الابطأ في التكيف مع التغيرات السريعة والمتوقعة خلال الاشهر والاعوام القليلة المقبلة.
السبيل 2017-08-03