الغموض البنّاء وصفة للنجاح
لكي ينجح أي تيار سياسي أو مرشح فلا بد أن يرفع شعارات تتحلى بقدر من الغموض، بحيث يفسرها كل حسب رغباته. أما توضيح وتحديد الأهداف بدقة فإنه قد يكسب أنصاراً، ولكنه يكسب خصوماً أيضاً.
قبل ثلاثة عقود فاز جيمي كارتر في الانتخابات الرئاسية في أميركا تحت شعار أنه يريد حكومة في واشنطن لا تقل طيبة عن الشعب الأميركي الطيب، هذا الشعار دخل إلى قلوب الناخبين الطيبين وكل منهم يفسر الطيبة كما يناسبه. ولكن ماذا يعني هذا؟ وأي نوع من الحكم كان كارتر سيأتي به؟.
باراك أوباما بدوره طرح شعاراً يقول أنه يريد تغيير واشنطن بشكل يستحق الثقة، ولكن أي تغيير يقصد، وبأي اتجاه؟ هو ترك لكل ناخب أن يتصور أن أوباما سيغير واشنطن بالشكل الذي يتمناه هو أي الناخب، وبذلك كسب أكثرية الناخبين.
حتى الأديان السماوية ما كانت لتكسب وتستمر عبر العصور لولا الغموض البنّاء والمرونة، فالنصوص حمالة أوجه، ليأخذ كل متلق منها الوجه الذي يناسبه، ومن هنا اختلفت تفسيرات النص نفسه وتعددت المذاهب والمدارس الفكرية.
وما زلنا نذكـر النص الغامض الذي ورد في دسـتور حزب البعث: « الملكية والإرث حقان مقدسان ومصونان في حدود المصلحة القومية». وهو شعار يطمئن الأغنياء على حقوقهم (المقدسة)، ويطمئن الفقراء على أن الملكية والإرث ليسا من الحقوق المطلقة، فهناك المصلحة القومية التي قد تتطلب مصادرة هذه الحقوق.
التسويات السياسية التي تتم بين الفرقاء والمختلفين، كاتفاق الدوحة، ما كانت ممكنة لولا الغموض البنّاء، الذي يفهمه كل فريق على أنه يلبي طلباته، ومن هنا يبدأ الخلاف على التفسير ويحتج الطرفان بنفس الوثيقة الغامضة. ويخرجان من احتفال التوقيع وكل منهما يعتقد أنه سجل انتصاراً، وحصل على الاتفاق الذي يحقق كل الأهداف التي طالما نادى بها.
النصوص الغامضة هي الأسلوب المتبع في صياغة قرارات مجلس الأمن الدولي لضمان تمريرها من جانب دول مختلفة، وأبرز مثال على ذلك القرار 242 الذي نص على انسحاب إسـرائيل من أراضٍ عربية محتلـة إلى حدود معترف بها وقابلة للدفاع عنها، فهل هو قرار بالانسحاب كما فهم العرب وحلفاؤهم، أم بالتفاوض والاعتراف كما تفهم إسرائيل وحلفاؤهـا، وأين تقع الحدود القابلة للدفاع عنها.
الراي 2017-08-25