واشنطن إذ تخذل «حلفاءها».. باكستان أخيراً وليس آخراً
اصدقاء اميركا او قل من يُصنّفون كحلفاء للامبراطورية الاميركية.. لا يتعلمون او هم يخدعون انفسهم، عندما يواصِلون الزعم ان علاقاتهم مع واشنطن هي استراتيجية وأنهم مثابة شركاء لها، ويواصلون نَظْمَ الشعر والخطابة في علاقات يعلمون في قرارة انفسهم أنها من طرف واحد، وأنها مقابل خدمات واشياء اخرى تحت الطاولة، لا تلبث ان تنتهي عند أول منعطف، ناهيك عمّا يعتريها من توتر وفتور واحياناً شبه قطيعة تدأب الدوائر الاميركية المولعة بتنفيذ الاستراتيجية الكونية، على العبث بها، كي تُبقي الطرف الآخر في وضع القلِق وكأن الريح تحته، يسعى لإرضاء السيد الاميركي ولا يُبدي اعتراضاً على تقلباته وغموضه وادارة الظهر لحليفه (اقرأ تابعه) المخدوع.
.. ليس مهماً إذا ما كانت الادارة الاميركية جمهورية ام ديمقراطية، وبالتأكيد حتى لو جاءت بالصدفة محمولة على خطاب شعبوي عبثي كما هي حال ادارة ترمب الحالية، التي يحار الاميركيون انفسهم في فهم ما تنتوي عمله او الانقلاب عليه، ما بالك بالحلفاء الذين يحلو لهم ان يصِفوا علاقاتهم بها بأنها «شراكة استراتيجية» كما هي حال معظم الأنظمة العربية، التي تنام على «خبر» اميركي مُطمئِن احياناً، ثم تصحو على «انقلاب» كامل في المواقف والخطاب بل في ما «تحلم» ان لا يصاب بأذى وهو «رقم»المساعدات الاميركية، ما هو عيني منها وهو دائماً عسكري بطابع أمني داخلي.
ليست الانظمة العربية في علاقاتها الاميركية، إلاّ نموذجاً بائساً لهذه الغطرسة الاميركية التي وضعت نصب اعينها تحقيق اهدافها الاستراتيجية الثلاثة المعروفة، منذ ان ورِثت واشنطن دور الامبراطوريتين الاستعماريتين البائدتين الفرنسية وخصوصاً البريطانية، وهي المحافظة على أمن اسرائيل وضمان تفوقها (العسكري) على كل العرب والثاني ضمان تدفق النفط العربي الرخيص اليها والى حلفائها الاوروبيين (ولكن بشروطها وخدمة لمصالحها)، وثالثاً اصطفاف الانظمة العربية الى جانبها في حربها (الباردة ولكن الضارية اعلامياً ونفسياً) ضد الاتحاد السوفياتي والاحلاف التي اقامتها لتطويق موسكو ودول حلف وارسو.
لم تختلف الأمور كثيراً حتى بعد انتهاء الحرب الباردة وبروز الولايات المتحدة (مؤقتاً بالطبع) كقائدة منفردة للنظام العالمي الجديد، الذي بدا كأنه آخذ في التشكّل والبروز كعصر اميركي خالص، إلاّ انه تعثر واصابه الوهن، وها هو وبعد أقل من ربع قرن قد وصل الى نهايته او في طريقه الى ذلك، بعد ان انهكت المغامرات العسكرية ودائماً الغطرسة والانانية الامبراطورية الاميركية، التي أدركت متأخرة ان عالمنا لا يمكن ان تقوده دولة واحدة مهما بلغت من سطورة وعدوانية، ومهما بالغت في الاعتماد على ترسانتها العسكرية الضخمة والحديثة، وخصوصاً في هيمنتها على القرارين المالي والنقدي/ المصرفي الدوليين.
الأمثلة أكثر من ان تحصى على خذلان واشنطن لـِ»أخلص» حلفائها (إقرأ اتباعها) ومعروفة هي اسماء العرب وخصوصاً الفلسطينيين (الثوار سابقاً) الذين اعتقدوا ان طريق بناء «الدولة» المستقلة يمر بواشنطن، لكن «النماذج» العالمية هي الدليل الاسطع على المصير الذي ينتهي اليه هؤلاء «الحلفاء» عندما ترفع الادارة الاميركية الغطاء عنهم ودائماً عندما تثور الشعوب ضد هذه النماذج (الحداثية) في ايران الشاه كما ماركوس في الفلبين وكثر في جمهوريات الموز اللاتينية، ومَن كانوا «يتخادمون» معها في الكتلة الاشتراكية السابقة وتشاوتشيسكو الروماني الابرز فيهم، دع عنك النسخة «الباكستانية» الاخيرة حيث الغضب الاميركي (الترامبي هذه المرة) حلّ على الحليف العتيق الذي على علاقة (استراتيجية حتى لا تنسوا) مع الادارات الاميركية المتعاقِبة، الى ان اكتشف الرئيس القادم من خارج «الاستتبلشمنت» الاميركي، ان اسلام آباد «تأوي» الجماعات الارهابية ولهذا يشترط السيد القادم من شركة اكسون موبيل، ريكس تيلرسون، ان دعم بلاده لباكستان «سيكون مشروطاً بتغيير اسلام آباد سياستها في ايواء الجماعات الارهابية».. بل لم يكتفِ الذي يوصَف (اميركا) بأنه اسوأ وأفشل وزير خارجية اميركي بذلك، بل راح يُردِّد العبارة الاميركية المعروفة التي تفيض غطرسة وعدوانية مُهدِّداً: ان بلاده تضع جميع الخيارات المتاحة على الطاولة (...) إذا لم تتعاون باكستان في محاربة الجماعات المسلحة على ارضها.
قد يُغيّر الامبرياليون جلودهم، لكنهم لا يغيرون وليس بمقدورهم اصلاً ان يتنكروا لعدوانيتهم، والنظرة الدونية التي ينظرون بها الى الآخرين والى مصالحهم، اياً كان المدى الذي يذهب اليه الآخرون في التفاني بخدمتهم وتعريض مصالح شعوبهم للخطر، بل لبيعها والمساومة عليها ارضاء للسيد الاميركي، لكن اليد الاميركية جاهزة لتوجيه الطعنة الى ظهر كل من تنتهي صلاحيته.
هزيمة واشنطن المتدحرجة (والنكراء) في افغانستان، يجب ان تتحمّلها باكستان، ولا يهم كل «التاريخ» الذي بدأ في العام 1949 حتى الان وخصوصاً في احتضان اسلام آباد «للمجاهدين» الاسلامويين ضد الاتحاد السوفياتي وخراب منطقة الحدود المشتركة مع افغانستان، منذ المجاهد الاكبر محمد ضياء الحق حتى الان، ويجب ان تتحمل اسلام آباد تبعات العنف الافغاني الذي كان الغزو الاميركي كحرب ضرورة (كما وصفها اوباما) ذروة التعاون الباكستاني (الاستراتيجي) مع الحليف الاميركي، لكن عقداً ونيف من التدمير الاميركي الممنهج لأفقر بلد في العالم لم ينجح في كسر شوكة الشعب الافغاني الذي يختزلونه في حركة طالبان، فيما فشل كل قرضاياتهم بدءاً من قرضاي الأول الذي جاء على حراب الاميركيين في غزوة العام 2001 ثم ما لبث ان لفظوه وجاءوا برجل اكثر اميركية (اشرف غني) ، ولهذا في ذهابها نحو نيودلهي الحليفة البديلة ذات العلاقات المتوترة من الصين (نقصد الهند) إنما يريدون معاقبة الحليف الاستراتيجي» الأقدم» الذي يبدو أنه فَقَدَ حظوته ومكانته ودوره..
الراي 2017-08-27