واقع استراتيجي جديد!
1. على أرض الواقع، دخل جيش النظام في سورية أمس مدينة دير الزور، وفكّ الحصار عن القاعدة العسكرية، وسيطر على أجزاء من المدينة، التي تشكّل عملياً آخر معاقل تنظيم داعش، الذي لم يبق له إلاّ مدن معدودة، مثل الميادين والقائم والبوكمال، وبعض الجيوب في العراق وسورية، وحتى الرقّة فإنّ التنظيم خسر جزءاً كبيراً منها أمام قوات سورية الديمقراطية.
وعلى الجهات الأخرى يستكمل النظام السيطرة على البادية السورية، بعدما أعلنت فصائل مقرّبة من الأردن الانسحاب من مناطق حدودية، وسيطر الجيش على نقاط جديدة، وأصبح الأمل الوحيد للمعارضة السورية هو أن يتم توسيع "مناطق منخفضة التوتر"، أي تلك التي ترعاها روسيا بدرجة رئيسة.
أمّا من الغرب فإنّ الحدود اللبنانية عادت بالكامل بيد قوات الأسد. وفي الوسط يخوض جيش النظام معارك دامية لاستكمال السيطرة على مناطق في ريفي حمص وحماة، بينما تبقى إدلب معزولة، بيد جبهة النصرة، التي أوقعت المحافظة في "فخ تورا بورا"، بعدما ضربت حليفها الرئيس؛ حركة أحرار الشام، فلن يترحّم أحد عليها!
2. من السابق لأوانه القول إنّ سورية ستعود إلى ما كانت عليه قبل 2011، قد يكون ذلك نسبياً صحيح، أي بنسبة %80، مثلاً، من الناحية الجغرافية، لكنّها سياسياً وثقافياً واجتماعياً أمام مرحلة عميقة من الشكوك والأسئلة عن كيفية تجاوز ما حدث من حرب أهلية دامية، وتشريد لنصف الشعب السوري، وتفشّي الهويات الطائفية والعرقية في البلاد.
3. الأهمّ من هذا وذاك أنّ "الانتصار العسكري"، النسبي للأسد، لم يكن بلا مقابل، داخلياً وخارجياً، والمتغير الأكثر أهمية هو اليوم تقاسم النفوذ الإيراني والروسي في المرحلة القادمة على سورية، وإن كان النفوذ العميق على الأرض، الذي يرتبط بأبعاد عسكرية وثقافية وسياسية، سيكون للإيرانيين.
4. لكن السؤال برسم الإجابة، بعد هذه الأعوام الستة التي دفع فيها السوريون فاتورة إنسانية وسياسية واقتصادية هائلة، وآثارها ستلاحقهم إلى مدة طويلة، على أكثر من صعيد، هو: لماذا فشلت الثورة السورية في تكريس القيم العليا، التي انطلقت من أجلها، أي الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهي القيم التي أشعلت فتيل الربيع العربي في العام 2011؟
هذا السؤال يتجاوز الواقع السوري، وإن كان الأكثر مرارة، إلى الحالة العربية برمّتها، فانتصار الثورة المضادة والهزيمة السياسية والرمزية وقعت أيضاً في مصر وليبيا واليمن، تلك الدول التي شهدت الثورات الشبيهة، وإذا كانت تونس نجت من المقصلة التي أُعدت لها من قبل القوى المحافظة العربية، فإنّها ما تزال تواجه تحديا ومراحل انتقالية صعبة.
وعلى هذا الأساس، إذا وسّعنا نطاق السؤال، فسيصبح؛ لماذا فشلنا، نحن الشعوب العربية، في اقتناص لحظة الإنقاذ من الواقع المرير، لنركب في قارب الديمقراطية والحرية، كسائر خلق الله؟! هل هي القوى المحافظة التي استعادت زمام المبادرة، مع الانقلاب العسكري في مصر، أم هي الحركات الإسلامية التي أثبت سلوكها السياسي سذاجتها وعدم قدرتها على التعامل مع الواقع السياسي، فغرقت في وحل المرحلة الانتقالية، وأغرقت الشعوب معها، أم هو سؤال مرتبط بالديالكتيك التاريخي، أي المراحل الطبيعية التي تمرّ بها الثورات في العالم، من هبوط وصعود، وتموّجات، كما حدث في أوروبا سابقاً؟!
كل تلك الفرضيات مطروحة، وتستحق البحث والتحليل، لكن يضاف إليها في الواقع السوري أنّ النظام امتلك بعداً دولياً وإقليمياً صلباً، تمثل بالروس والإيرانيين، أمّا الثورة السورية فلم يكن هنالك مشروع عربي إقليمي حقيقي يقف خلفها، بينما تمثل المشروع الوحيد، بالحركات الأصولية، وهو الذي صنِّع أصلاً لاستنزاف الثورة وضربها بالجدار، وهو ما حدث فعلاً!
الغد 2017-09-07