ترمب وكيم .. و«الحرب المستحيلة» !
اعصار «ايرما» الذي ضرب جزر الكاريبي وساحل فلوريدا، شغل وسائل الإعلام الأميركية، كمال شغل الرئيس ترمب بعض الوقت عن الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، فارتحنا من تهديداته وتغريداته حول التصعيد باتجاه الصدام.
منذ بداية الأزمة كنا على يقين بأن صيحات التصعيد والتهديد والتلويح بالحرب، ناتج عن الرغبة برمي الكرة الى ملعب على روسيا والصين والضغط على الدولتين للتدخل من أجل حل الأزمة، لأنه ليس من السهل الضغط على ازرار الأسلحة النووية والصواريخ العابرة للقارات وبالتالي اشعال حرب عالمية جديدة مدمرة تهدد السلم العالمي.
أعتقد أن الأزمة بين واشنطن وبيونغ يانغ أجبرت الرئيس الأميركي على قراءة تاريخ السلالة الحاكمة في كوريا الشمالية، ولو من باب الفضول لا الرغبة في المعرفة، وهو التاريخ الذي يثبت أن هذه الأسرة لا تتردد في خوض الحروب كما أنها لا تعرف الإستسلام، لأنها تحولت في بلادها الى «اسرة مقدسة» واتخذت رمزا لها الحصان الأسطوري المجنح (تشوليما)، وربما آمنت بما آمن به بسمارك الذي قال: «اسئلة التاريخ العظيمة لا تحسمها الخطب بل الدم والحديد والنار».
ومن صفات هذه الأسرة أنها لا تغفر ولا تنسى، وهو سبب قلق كوريا الجنوبية التي دخل الجد كيم ايل سونغ عاصمتها سيول مرتين، في حرب سقط فيها (5،2 مليون قتيل)، كما هو سبب قلق اليابان التي غزت واستعمرت كوريا عقودا طويلة، واستخدمت العنف والقمع ضد الشعب الكوري، حتى أن الناشط السياسي والعسكري الشاب كيم ايل سونغ قد اعتقل اكثر من مرة حتى اضطر الى العيش في المنفى مدة 26 عاما قضاها في منشوريا، حيث انتسب الى الحزب الشيوعي الصيني قبل عودته لقيادة فصيل مسلح يقاوم الجيش الياباني، وبعدها انتسب الى حزب العمال الكوري الى أن اصبح امينه العام في وقت لاحق.
والزعيم المؤسس لهذه السلالة الحاكمة هو كيم سونغ جو الذي اختار اسم كيم ايل سونغ ويعني «كيم هو الشمس» لذلك حمل لقب « شمس الأمة «، وهو الذي بدأ بناء الدولة الأسبرطية التي تعتمد على الصناعات الثقيلة والإنتاج الحربي وعسكرة المجتمع، واختلف مع الصين بسبب نزعته القومية على حساب عقيدته الثورته الأممية.
أما الزعيم الحالي كيم جونغ اون الذي يحمل لقب «الوريث العظيم» يسير على خطى جده كيم ايل سونغ فواصل التقدم وسط مجتمع محارب، ولكن باسلوب اكثر قساوة وتشددا، كما أنه لن يتردد في اتخاذ اي قرار مهما كانت النتائج، وقد اختاره والده كيم جونغ ايل وفضله على أخيه الأكبر، لأنه «صلب لا يعترف بالهزيمة». لذلك لن يتردد في الرد على اي غزو أو ضربة عسكرية مهما كانت النتائج. نتحدث عن تاريخ السلالة الحاكمة في كوريا الشمالية كي نعرف أي طراز من القادة تواجه الولايات المتحدة في شبه الجزيرة الكورية، ولأن الفيلسوف الصيني سون تزو قال في كتابه «فن الحرب» الذي صدر في القرن السادس قبل الميلاد: «اذا كنت تعرف قدراتك وتجهل قدرات خصمك ستعاني من هزيمة بعد كل نصر».
في كوريا اليوم «دولة الجيش» والمجتمع المحارب، وهذه الدولة مسلحة حتى اسنانها باسلحة الدمار الشامل ولدى قيادتها حرية القرار، ويمكن تغليب قوة الأرادة على حكمة العقل، لذلك حبس العالم أنفاسه في لحظات مضت.
هذه الحالة من «توازن الرعب» هي التي تمنع نشوب الحرب الجديدة في شبه الجزيرة الكورية، وجعلتها حربا مستحيلة، لأنه «لا يوجد مجد في حرب تستحق ما دفع فيها من دماء» حسب قول ايزنهاور الذي قال ايضا «ان كانت المشكلة بلا حل فضخمها» لذلك يحاول الرئيس ترمب تضخيم المشكلة ليضغط على موسكو وبكين لمساعدته في الخروج من الأزمة والإكتفاء بالعقوبات الإقتصادية.
الراي 2017-09-11