«المسـألـة الكرديـة» والريــاء الإســرائيلـي

تم نشره الخميس 14 أيلول / سبتمبر 2017 01:04 صباحاً
«المسـألـة الكرديـة» والريــاء الإســرائيلـي
عريب الرنتاوي

تنافح إسرائيل بقوة عن حق الشعب في “تقرير مصيره”، ويتبارى قادتها من مختلف الاتجاهات في إعلان دعمهم لانفصال إقليم كردستان عن العراق ... وثمة معلومات، قديمة وجديدة، عن “روابط”، سرية وعلنية، بين الحركات الكردية وإسرائيل، بعضها يعود لستينيات القرن الفائت، وبعضها حديث، وتجري المبالغة عن قصد، في تضخيم أثر “العامل الإسرائيلي” في “المسألة الكردية”، وتصدر هذه المبالغات عن مصدرين: أولهما إسرائيل، التي تسعى في توسيع شقة الخلاف والصراع بين العرب والكرد، من ضمن استراتيجية لتفتيت المنطقة، وتحويلها إلى فسيفساء من الأقليات، تظهر معها إسرائيل بوصفها “الأقلية الكبرى” في الشرق الأوسط.
أما المصدر الثاني، فهم خصوم الحركة الانفصالية الكردية، من عرب وعجم وترك، الذي يسعون في تصوير كردستان العراق كـ “إسرائيل ثانية” في المنطقة، بهدف حشد المخاوف والشكوك في النوايا الكردية، وتوسيع جبهة العداء والكراهية لأكراد العراق وأكراد المنطقة ككل... علماً بأن أكراد العراق والمنطقة عموماً، كأي مجتمع من مجتمعاتها، فيه من يراهن على إسرائيل ويسعى لتوطيد العلاقة معها، تماماً مثلما تفعل حكومات وأنظمة عربية قريبة وبعيدة، ومثلما تردد بعض تيارات المعارضات العربية، خصوصاً في دول الأزمات، وفيه من يتخذ مواقف مغايرة تماماً.
وللأكراد العراقيين صلات تاريخية مع الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية المعاصرة وفصائل منظمة التحرير، وبعضهم قاتل ببسالة في خنادقها وقواعدها طوال سنوات المواجهة العسكرية مع إسرائيل من لبنان وفي جنوبه، وبعضهم كان في صدارة صفوف حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني في المغتربات والشتات، الفلسطيني والكردي على حد سواء.
إسرائيل منافقة وهي تزعم التزامها بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه، فهي تمنع على الشعب الفلسطيني حقاً مماثلاً في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، وهي تفرض أبشع وأطول احتلال في تاريخ البشرية جمعاء، على شعب توّاق لحريته وتحرره ... وقادة إسرائيل يتقمصون ثوب الحمل الوديع وهم يذرفون الدفع على معاناة الكرد ومراراتهم، فيما ممارساتهم الاحتلالية الاقتلاعية، تشف عن ذئب متوحش في ثياب هذا الحمل.
بمقدور العرب، العراقيين أولاً، أن يدفعوا الأكراد دفعاً إلى الأحضان الإسرائيلية، من خلال الاستجابة لمكر إسرائيل والوقوع في أفخاخها ... وبمقدورهم أيضاً أن ينجحوا في كسب ود الأكراد وصداقتهم، بل وتحالفهم وانحيازهم للقضايا العربية، إن هم أجادوا مقاربة هذا الملف بصورة متوازنة تحفظ أمن دولهم ومصالح شعوبهم ... وتبدأ المسألة باعتراف عربي بحق الكرد في تقرير مصيرهم، والاعتراف بهم كأمة نعيش معها وتعيش معنا منذ فجر التاريخ، والبحث عن صيغ وترتيبات لضمان عيش آمن وكريم للجميع، من دون هيمنة أو شوفينية، ومن دون استتباع أو “استكراد” كما في التعبير الشعبي المفعم بالعنصرية ... بمقدور العرب أن يسدوا أي ثغرة تتسلل من خلالها إسرائيل إلى هذه الأمة الشريكة لنا في تاريخ المنطقة وجغرافيتها ... ومثلما نجح العرب ذات زمان في تحصين أفريقيا وأمريكا اللاتينية في وجه التمدد الإسرائيلي، فإنه من باب أولى أن يجربوا النجاح مع إخوة وأشقاء لهم في التاريخ والجغرافيا والدين وكثير من القيم والعادات والتقاليد.
إسرائيل تروّج لـ “حلف الأقليات” في المنطقة، وهي تعرض نفسها صديقاً صدوقاً للأقليات الدينية والعرقية فيها، وهذه مقاربة “ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب”، وعلى العرب أن يفعلوا كل ما بوسعهم، لإقناع “أقلياتهم” وليس الكرد وحدهم، بأنهم مواطنون لا رعايا، وأن حقوقهم الفردية والجمعية، مكفولة في دول مدنية – ديمقراطية تقوم على أساس المواطنة الفاعلة والمتساوية ... على العرب أن يسلموا بان فراقاً (انفصالاً) توافقياً خير بمائة مرة، من وحدة قسرية، لا يعني مرور الزمن فيها، سوى تكريس الشروح والندوب والانقسامات.
وعلى الكرد في المقابل، عراقيين أم غير عراقيين، أن يصلوا إلى الاستنتاج النهائي، بأن مستقبلهم يتقرر في ضوء نجاحهم في إقامة علاقات طبيعية وحميمة مع إخوانهم العرب، وأن التلويح بالتعاون مع أعدائهم أو الاستقواء بهم، هي سياسة قصيرة النظرة، وتزرع بذور صراعات لاحقة، وعليهم أن يطردوا مرة وإلى الأبد، فكرة الاستثمار في الجسم العربي الهزيل والمتشظي، فالضعيف اليوم، سيتقوى غداً، وما يؤخذ في لحظة “استباحة” لن يظل لقمة سائغة لمن يغتصب حقاً ليس له ... العلاقة بين العرب والكرد، يجب أن تُقرأ من منظور المصلحة والمستقبل، لا أن تبقى أسيرة لعقد الماضي ومآسيه، فالتطلع للأمام هو ما يفيد الشعبين ويؤسس لعلاقة مستقبلية وطيدة، يبدو الجميع، وبالأخص الكرد، ولكل الاعتبارات المعروفة، بحاجة لها مثل العرب، وأكثر منهم.

الدستور 2017-09-14



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات