لبنان كــَ «باروميتر» للمنطقة.. من جديد
ازمات متدحرجة تفرض نفسها - او تفرضها الطبقة السياسية المتحكِّمة بلبنان، بعد ان كشفت تطورات الازمة السورية وميل موازين القوى الميدانية لصالح الدولة السورية وحلفائها وفشل مخطط تقسيمه وتعميمه وخصوصا في لبنان، حيث تقف القوى الإنعزالية وتلك التي لم تعترف بعروبة لبنان ولا تعترف به وطناً نهائياً لها، ومؤيدة لفدرَلة لبنان وإن تراجع خطابها الآن تكتيكياً، بعد ان دفن مشروع تقسيم سوريا على أُسس طائفية ومذهبية.
وإذ لم تنته بعد ذيول معركة تحرير جرود عرسال ورأس بعلبك والبقاع من عصابة داعش، التي شارك فيها الجيش اللبناني عبر عملية «فجر الجرود» واسهم حزب الله والجيش السوري بالدور الأكبر والحاسم فيها من خلال عملية «إن عُدتم.. عدنا»، بانكشاف حجم الصدمة التي اصابت بقايا فريق 14 آذار المتصدع، وبخاصة بعد انتصار الدعوات لفتح تحقيق في ملابسات عملية خطف العسكريين اللبنانيين من قِبل داعش والنصرة، والتي انتهت نهاية مأساوية، بعد التأكد من إعدامهم وقرار الرئيس اللبناني عون فتح تحقيق في هذه المسألة، ما وضع رئيس الحكومة السابق تمام سلام وقائد الجيش الجنرال قهوجي في دائرة الإتهام، الامر الذي أحرج هذا الفريق، وبخاصة بعد التسريبات التي تقول ان الحكومة السابقة ابدت تردّداً في إنقاذ الجنود المخطوفين عندما كان ذلك متاحا بل مؤكدا، فإن الجدل المندلع الان حول اللقاء الذي تم في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونظيره اللبناني جبران باسيل بطلب من الاخير، يشي بان ردود الفعل الغاضبة بل والمفتعَلة، التي يُبديها المزايدون على نهج الجنرال عون وخصوصا سمير جعجع وأقطاب تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، انما تستهدف إحداث «شرخ» في «التوافق» الذي تم بموجبه انتخاب عون رئيساً للجمهورية قبل احد عشر شهراً، مقابل «عودة» الحريري الى السرايا الحكومية، ولم يكن بمقدوره ترؤس الحكومة من جديد لولا «صفقة» كهذه، في ظل شغور طويل (سنتان ونصف) في موقع رئاسة الجمهورية وتمزّق صفوف 14 آذار، فضلاً عن قرار المجلس الدستوري بإبطال قانون الضرائب، الذي وضع حكومة الحريري «التوافقية» التي يشارك فيها معظم الطيف السياسي والحزبي اللبناني بمن فيهم حزب الله والقوات اللبنانية/جعجع امام مأزق كبير، وبخاصة ان قانون الضرائب استهدف تمويل قرار رفع رواتب واجور الموظفين والمياومين واساتذة المدارس والمتعاقدين والمُسمّى «سلسلة الرتب والرواتب»، والذي إن لم تتم ترجمته في كشوف رواتب الشهر الجاري، فإن لبنان سيشهد موجة إضرابات واعتصامات لا نهاية لها، بل هي بدأت الان على شكل «بروفات» مُرشّحة لِتصبح شاملة وطويلة الامد.
ترويج تسريبات عن احتمال استقالة الحريري، او على نحو أدقّ استخدام الاستقالة ورقة للتلويح بها للحؤول دون مواصلة الجنرال عون نهجه الواقعي والوطني الجديد، القائم على رفض السير في المخطط الاميركي الاسرائيلي والإقليمي العربي، الرامي الى تكريس لبنان منصة لإرباك المشهد السوري الجديد (بعد فشل مخطط تقسيم سوريا) والعودة «الآن» الى سياسة النأي بالنفس التي امتدحها الرئيس الفرنسي ماكرون خلال ترحيبه بالجنرال عون الذي يزور باريس وقوله: «...تمسُّك لبنان بسياسة النأي بالنفس، هو (افضل) طريق للحفاظ على استقرار لبنان، ومن اجل العمل على معالجة ازمة النازحين والإرهاب».. وفي هذه العبارة الملغومة يكمن بالفعل المخطط «الجديد» الذي تُراهن عليه القوى المعادية لسوريا في لبنان.
إذْ.... ما معنى ربط مسألة النازحين بالارهاب؟ بعد ان تم تنظيف لبنان وتطهير اراضيه من هؤلاء القتلة؟ ثم لماذا يُصِر فريق 14آذار او ما تبقّى منه على (منع) النازحين السوريين من العودة الى بلادهم؟ بعد ان كان وما يزال يعتبرهم خطراً عليه، ممارساً نحوهم ابشع انواع العنصرية والتمييز والتنكيل وغيرها، مما برَعَ الإنعزاليون والطائفيون في ممارسته ضد كل ما هو سوري وفلسطيني؟.
يدرك هؤلاء ان «التنسيق» مع الحكومة السورية الشرعية، التي لا تحتاج الى اعترافهم بشرعيتها،، بل هم مَنْ يحتاجون الى الاعتراف بهم، هو الممر «الإجباري» كي «يتخلصوا» من عبء هؤلاء.. المزعوم، والذي تستفيد من وجودهم (النازحون) جهات وشرائح لبنانية حزبية وغير حزبية معروفة، وتتلقى المعونات والدعم من جهات مانحة عديدة، ولا يرى منها النازحون السوريون... إلاّ الفتات.
فضلا عن حقيقة ان النازحين السوريين، يُشكِّلون «ورقة» لابتزاز الحكومة السورية والضغط عليها بل وإعاقة عملية التسوية للازمة، وهو ما تسعى اليه عواصم الغرب الاستعماري وبعض العرب، لإرباك دمشق وربما - بل الاكيد - التحرش بحزب الله واستعادة الاسطوانة المشروخة حول «سلاحِه» الذي قال الجنرال عون في مقابلة مع صحيفة فرنسية انه سلاح «لحماية لبنان ولا يُستخدَم في الداخل اللبناني»، ما اثار غضب وحفيظة ايتام 14 آذار، الذي يناقضون انفسهم عندما يقولون ان النازحين يُشكّلون نصف عدد سكان لبنان، وانهم يرفضون توطينهم (كما الفلسطينيين) ثم يُعرقِلون عملية رجوعهم التي باتت مُمكنة ولكن بالتنسيق مع دمشق.
دون اهمال بالطبع لاستحقاق الانتخابات البرلمانية المقررة في أيّار القريب، وسط تشكيك بحدوثها وبروز إقتراح من رئيس مجلس النواب بتقريب موعدها، وهي امور تُخيف معسكر المعادين للجنرال عون وحزب الله، كون ضعفهم وانقسامهم قد يأتي بأغلبية تدفن جثة 14 آذار، وتفتح المشهد اللبناني على مرحلة جديدة. لهذا هم يُلوّحون باستقالة الحريري ويسعون - عبثا بالطبع - لإستخدام لبنان منصة لارباك سوريا وعرقلة التسوية السياسية لأزمتها.
الراي 2017-09-27