ليس حرصاً على العراق بل خوفاً من «العدوى»
مشكلة الأتراك والإيرانيين مع «الإستفتاء» الأخير ليس أن يقوم كيان كردي في كردستان العراقية على حدود يتم الإتفاق بشأنها فهذا من حقهم والمفترض أن طهران وأنقرة لا علاقة لهما به مادام أنه تم التفاهم على هذا الأمر مع العراق كدولة.. فالمشكلة هي تلك «الخريطة» التي ظهرت بالقرب من صناديق الإقتراع والتي أظهرت المناطق الكردية في إيران وتركيا وأيضاً في سورية على أساس أنها وطن كردي موحد وهنا فإنه غير معروف ما إذا كانت هذه «الإشارة» الواضحة كل الوضوح مقصودة أم أنها عفوية وغير مقصودة .
والمؤكد أن الرئيس مسعود البارزاني وطاقمه القيادي يعرفون أن إيران يسعدها أن يتمزق العراق ويتحول من دولة واحدة موحدة إلى ثلاث دول على الأقل، دولة شيعية ودولة كردية ودولة سنية، لو أنهم يضمنون ألاّ تنتقل العدوى الإستقلالية إلى أكثر من إثنى عشر مليون كردي إيراني وأيضاً إلى القوميات الأخرى وأهمها العرب والبلوش والآذاريين وهذا ينطبق على تركيا في مجالات ونواحٍ كثيرة .
لقد كانت الإشارة المرعبة للإيرانيين وللأتراك أيضاً أنَّ أكراد كرمنشاه وكردستان الإيرانية قد إحتفلوا بـ «الإستفتاء» ربما أكثر من إحتفال أشقائهم العراقيين به وبالطبع فإن هذا قد أصاب أصحاب كراسي الحكم في طهران بأكثر من الرعب وبخاصة وأن هذه المنطقة كانت قد شهدت قيام أول دولة كردية في عام 1946 بقيادة القاضي محمد الذي كان قد عين رئيساً لهذه الدولة والذي أُعدم بعد ذلك بعد إسقاط تلك الدولة بمؤامرة دولية إشترك فيها الروس في عهد الإتحاد السوفياتي كما إشتركت فيها الولايات المتحدة الأميركية وباركتها العديد من الدول الغربية ومن بينها بريطانيا العظمى.
وهنا فإن ما تجدر الإشارة إليه هو أن كرمنشاه هذه قد شهدت أول إنتفاضة كردية بعد إنتصار الثورة الخمينية في فبراير (شباط) عام 1979 وكانت المفاجأة أن هذه الثورة، التي قبل إنتصارها كانت تنادي بالحريات العامة وبحقوق الأقليات القومية وبإغلاق السجون والمعتقلات وبإقامة علاقات أخوية مع كل الدول المجاورة ، قد علقت الذين قادوا تلك الإنتفاضة المبكرة على أعمدة الكهرباء لإفهام الأقليات الأخرى بأن هذه الأعمدة ستكون بإنتظارهم إن هم فكروا بفعل ما فعله الأكراد في هذه المدينة الكردستانية الإيرانية التاريخية.
وهكذا فإن هذا الإستنفار العسكري والسياسي والإعلامي الذي أعلنه الإيرانيون والأتراك رداًّ على هذا «الإستفتاء» الأخير لم يكن حرصاً على العراق ووحدته وإنما خوفاً من إنتقال «العدوى» الإستقلالية إلى كردستان الإيرانية وأيضاً إلى كردستان التركية لكن ما يجب أن يدركه الإيرانيون والأتراك هو أن القرن الماضي بمعطياته يختلف عن القرن الحالي ومعادلاته الكونية والإقليمية وهو أنَّ القنبلة الإستقلالية الكردية ستنفجر ذات يوم قريب وهو أن هذا الشعب سينال حقوقه كما نالت باقي شعوب هذه المنطقة الشرق أوسطية حقوقها ولذلك فإنه من الأفضل والأجدى أن يتم التعامل مع هذا «الإستفتاء» طالما أنه حصل بطول نفس وبالوسائل السلمية وبعيداً عن العنف والمواجهات العسكرية والكلام غير اللائق ثم، وهذا يجب أن يقال، أنه غير جائز أن تكون مواقف الحكومة العراقية بالنسبة لهذا الأمر صدى للموقف الإيراني بل صدى لموقف الشعب العراقي .. ويقيناً أن الشعب العراقي بمعظمه إن ليس كله مع تفهم هذه الخطوة الكردية ومع أن تتم معالجة هذه المسألة بالروية وبالصدور الرحبة وعلى أساس التفهم والتفاهم وأن هؤلاء ، أي الأكراد، أشقاء أعزاء ورفاق مسيرة طويلة قبل الإسلام العظيم وبعده ومقاتلون شجعان شاركوا إخوانهم العرب في مواجهة الفرنجة «الصلبيين» وخاضوا معهم كل المعارك الإستقلالية اللاحقة .
الراي 2017-09-27