صيد الساحرات (Witch Hunt) (3-3)
في هذه المقالة الثالثة والأخيرة عن صيد الساحرات نبدأ بالإجابة عن هذا السؤال؟ من أين بدأ اضطهاد الساحرات؟
تفيد الأستاذة يولينكا روبلاك في كتابها عن الرّياضي والفلكي "يوهان كبلر والساحرات" أن الاتهامات بالسحر لم تبدأ في أفقر المناطق وأنه لا يمكن تفسيرها بميكانيكية كبش الفداء البسيطة المعروفة بقرى تشعر بالضيق والفقر الشديد. لقد بدأت في مدن ذات وضع اقتصادي جيد، يتوافر فيها التأمين الطبي. لكن ما أن أطلق أحدهم الكلمة: الساحرة (Witch) حتى تداولها الناس وصارت حقيقة اجتماعية (1615) عندما ادعت امرأة أن امرأة مسنة سحرتها وجعلتها مقعدة وان عليها سحب سحرها منها.
وهكذا انتشرت الكلمة والمفهوم كالنار في الهشيم، وأخذ الحكام والقضاة الأمر بجدية، وبدأ التقاط العجائز والأرامل المتهمات بالسحر وتعذيبهن ليعترفن فتقطع رؤوسهن بالسيف، أو يحرقن أحياء إذا أصدرت المحكمة الحكم بالسحر عليهن وصدقت المحكمة العليا (كلية الحقوق) على ذلك. لم تنج حتى أرملة أحد رعاة الكنيسة (83 سنة) وأخت أحد الحكام من التهمة والإدانة والتعذيب والموت بالسيف أو بالحرق. وقد تفوق المجتمع على اللوثرية في موضوع السحر لدرجة اتهام أم كبلر الأرملة الأمية المسنة بالسحر. وقد رافق تلك الموجة حرق الكتب المتبادل بين الكاثوليك (اليسوعيين) واللوثريين، فعندما كانت تسقط مدينة لوثرية بأيدي اليسوعيين فإنه يتم حرق الكتب اللوثرية فيها، وبالمثل إذا سقطت بيد اللوثريين، وهكذا.
وكانوا يعتقدون أنه يجب على من يرى امرأة ساحرة غسل جسمه ببوله واستخدام قماش مبلل به ووضعه على الوجع. كانوا يعتقدون أن البول هو التقطير الثمين للطبيعة من جسم الإنسان. ولذلك كانوا يستخدمونه للشفاء من السحر، بالإَضافة إلى الصلوات الدينية، وإلى مثله ما يدعو بعضهم اليوم من أن بول الجمال فاعل في الشفاء من المرض، وليس بول الإنسان الذي كان يشربه أحد رؤساء الهند السابقين (موراجي ديسي).
لقد ترافقت محاكمة أم كبلر الطويلة مع المشكلات الدينية والسياسية في أوروبا كما عبرت عنها حرب الثلاثين سنة الأوروبية (1648-1618) التي دارت على الساحة الألمانية كما تدور الحروب الأهلية والمذهبية والإقليمية والعالمية اليوم على ساحات العراق وسورية وليبيا. لقد كانت المذابح الدينية متبادلة بين البروتستانت والكاثوليك إبان هذه الحرب الطويلة. وكان الكاثوليك يعدمون قادة الثوار بصورة بربرية من بينهم عالم النبات والفيلسوف الشهير جيسنيوس الذي قطعوا لسانه ثم رأسه.
كان اللوثريون معادين للخرافات وقراءة البخت والعرافة والتنجيم، بينما كان الكاثوليك يدعمونها.
أما يوهان كبلر الذي أحدث انقلاباً في علم الفلك وَمُنِع من التعليم في جامعة تونبجن التي تخرج فيها فقد كتب إليه أحد أساتذته اللاهوتيين ومريديه رسالة أخيرة له يلومه فيها وأنه يعاني من روح مضطربة ، وأن عليه أن يهجر عقله وأن يؤمن بسرّ الله من خلال إيمان بسيط وإلا فإن إصراره على وجهات نظره سيجعله يخضع إلى روح شريرة وقد يهاجمه الشيطان".
كان كبلر جزءاً من دائرة ثقافية شديدة الانتقاد للصراع بين الكاثوليك والبروتستنت وكانت قلوبهم تحترق وهم يحاولون الإجابة عن السؤال: كيف نصلح المجتمع والدين في هذا العصر الخطير؟
كان كبلر يؤمن أن الله وضع البشر على كوكب يدور من أجل أن تتغير (تدور) مداركهم باستمرار.
الغد 2017-09-29