رداءة الحياة: كل شيء بنصف دينار

تم نشره الأحد 01st تشرين الأوّل / أكتوبر 2017 01:00 صباحاً
رداءة الحياة: كل شيء بنصف دينار
د . باسم الطوباسي

في السنوات الأخيرة أخذت الاخبار المحلية السيئة أنماطا متشابهة؛ من أخبار حوادث التسمم والغش والتلوث وتراجع نوعية الخدمات العامة مرورا بأخبار الجريمة والانتحار وصولا إلى القضاء على أكثر من ربع الثروة الحرجية. قبل سنوات انتشرت ظاهرة في المدن الأردنية لمحلات تجارية تبيع كل شيء تحت عنوان " كل شيء بدينار"، لم تتراجع تلك الظاهرة التي طالما نظر إليها البعض بسخرية بل انتشرت ظاهرة محلات جديدة "كل شيء بنصف دينار"، لا يوجد لديّ رقم دقيق حول أعداد المحلات التجارية تدّعي تنقية المياه وباتت تنتشر في كل شارع وحارة،  ولا ندري بالفعل هل ما تقوم به ينقي المياه بالفعل وهل هناك إقرار رسمي بأن مياه الشبكة العامة مشكوك فيها؟ ولكن الذي نعلمه تماما أن الأردن تكاد تكون الدولة الوحيدة في المنطقة التي تنتشر فيها هذه الظاهرة بهذا الحجم. 
علينا الاعتراف بأن هناك تحولات تنال بنية الكتلة الحيوية للدولة في عناصر السكان والموارد وإدارة العلاقة بينهما، هذه التحولات ليست وليدة اليوم وليست في مجملها محلية، بل فيها الكثير من غبار الإقليم ورماده، وفي ضوء هذا نقرأ مصادر التهديد الجديدة التي تهدد نوعية الحياة في الأردن، والمصادر الأخرى التي يتم إعادة إنتاجها بفعل الظروف الجديدة؛ نحن ننتقل من الطموح الى تطوير جودة الحياة الى معالجة معضلة كبرى تتنامى اليوم عنوانها رداءة الحياة.
في الوقت الذي يخصَّص فيه ربع موازنة الدولة للاجئين فإن الآثار العميقة للزيادة القسرية للسكان تضرب عميقا في نوعية الحياة، ما زاد بشكل واضح من الضغط على الموارد المحدودة التي لم تشهد نموا حقيقيا يواكب حتى الزيادة الطبيعية المفترضة.
  في الوقت الذي تزدحم فيه خطاباتنا المحلية بالحديث عن ثقافة الجودة وسُبل ترسيخها في التعليم والخدمات والصحة والبنى التحتية وغير ذلك، تزداد المؤشرات الكيفية الدالة على تراجع جودة الحياة بشكل عام، أليس الهدف المركزي لسياسات التنمية والتغيير هو نوعية الحياة؟ أي حياة معافاة طويلة كريمة من دون مصادر تهديد يومية ترفع سقف التوقعات السلبية بالتعرض لها لدى قواعد عريضة من المجتمع.
 زيادة الضغط على الموارد بالتزامن مع ارتفاع كلف الحياة بسبب توالي حدة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، تنقل الفئات العريضة من المجتمع الى نمط من الاقتصاد السلعي القائم على سد الحاجات اليومية الأساسية من أردأ الأنواع، وتكتفي الأسر بالبحث عن سد حاجاتها اليومية بالكفاف من سلع وخدمات كانت في السابق ترفضها الأسواق، لأن معيار القدرات الشرائية عادة ما يحدد خصائص أجندة بضائع التجار، في هذا الوقت أخذت مظاهر جديدة تتعمق في سلوك السوق أهمها افتقاد المناعة فيما يعرض للناس من سلع وخدمات تفتقد أبسط معايير الجودة، ما دام هناك من يقبل عليها تحت وطأة جنون الأسعار وزيادة الطلب.
 يعمل ضغط الموارد مع انخفاض مستوى كفاءة إدارة المتاح منها على المزيد من تضاؤل هذه الموارد التي تعاني في الأصل من الندرة، وبالنتيجة فإن المتاح أمام الأسر والأفراد من الطبقات العريضة يصبح محدوداً، وبالنتيجة تلجأ هذه الطبقات إلى الرضا بالرديء من السلع والخدمات، بل وتبحث عنه، وفي هذه الظروف تنتعش قطاعات للرداءة أحياناً تمارس نشاطها بانتهازية مكشوفة، وأحياناً نتواطأ جميعاً في خلق ثقافة تتستر وتحجب ما يحدث حولها.
في خط مواز مع هذه التحولات يزداد الضغط والاستهلاك الجائر للنظم البيئية المحلية بأبعادها المختلفة، نتيجة الاستهلاك الجائر للبنى التحتية وسوء إدارتها وتحميلها فوق طاقتها، وللأسف فإن إمكانية رسم سيناريوهات لاحتمالات مسار التدهور في النظم البيئية المحلية يعد من أعقد الأمور، في الخلاصة فإن التحدي الحقيقي لا يكمن في جوهر الانفتاح الاقتصادي وإن وجدت بعض ملامحه في الظروف القسرية والزيادة غير الطبيعية في السكان، بينما تكمن البؤرة المركزية في إنتاج رداءة الحياة في ضعف كفاءة إدارة الموارد قبل أي شيء آخر.

الغد 2017-10-01



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات