رداءة الحياة: كل شيء بنصف دينار
في السنوات الأخيرة أخذت الاخبار المحلية السيئة أنماطا متشابهة؛ من أخبار حوادث التسمم والغش والتلوث وتراجع نوعية الخدمات العامة مرورا بأخبار الجريمة والانتحار وصولا إلى القضاء على أكثر من ربع الثروة الحرجية. قبل سنوات انتشرت ظاهرة في المدن الأردنية لمحلات تجارية تبيع كل شيء تحت عنوان " كل شيء بدينار"، لم تتراجع تلك الظاهرة التي طالما نظر إليها البعض بسخرية بل انتشرت ظاهرة محلات جديدة "كل شيء بنصف دينار"، لا يوجد لديّ رقم دقيق حول أعداد المحلات التجارية تدّعي تنقية المياه وباتت تنتشر في كل شارع وحارة، ولا ندري بالفعل هل ما تقوم به ينقي المياه بالفعل وهل هناك إقرار رسمي بأن مياه الشبكة العامة مشكوك فيها؟ ولكن الذي نعلمه تماما أن الأردن تكاد تكون الدولة الوحيدة في المنطقة التي تنتشر فيها هذه الظاهرة بهذا الحجم.
علينا الاعتراف بأن هناك تحولات تنال بنية الكتلة الحيوية للدولة في عناصر السكان والموارد وإدارة العلاقة بينهما، هذه التحولات ليست وليدة اليوم وليست في مجملها محلية، بل فيها الكثير من غبار الإقليم ورماده، وفي ضوء هذا نقرأ مصادر التهديد الجديدة التي تهدد نوعية الحياة في الأردن، والمصادر الأخرى التي يتم إعادة إنتاجها بفعل الظروف الجديدة؛ نحن ننتقل من الطموح الى تطوير جودة الحياة الى معالجة معضلة كبرى تتنامى اليوم عنوانها رداءة الحياة.
في الوقت الذي يخصَّص فيه ربع موازنة الدولة للاجئين فإن الآثار العميقة للزيادة القسرية للسكان تضرب عميقا في نوعية الحياة، ما زاد بشكل واضح من الضغط على الموارد المحدودة التي لم تشهد نموا حقيقيا يواكب حتى الزيادة الطبيعية المفترضة.
في الوقت الذي تزدحم فيه خطاباتنا المحلية بالحديث عن ثقافة الجودة وسُبل ترسيخها في التعليم والخدمات والصحة والبنى التحتية وغير ذلك، تزداد المؤشرات الكيفية الدالة على تراجع جودة الحياة بشكل عام، أليس الهدف المركزي لسياسات التنمية والتغيير هو نوعية الحياة؟ أي حياة معافاة طويلة كريمة من دون مصادر تهديد يومية ترفع سقف التوقعات السلبية بالتعرض لها لدى قواعد عريضة من المجتمع.
زيادة الضغط على الموارد بالتزامن مع ارتفاع كلف الحياة بسبب توالي حدة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، تنقل الفئات العريضة من المجتمع الى نمط من الاقتصاد السلعي القائم على سد الحاجات اليومية الأساسية من أردأ الأنواع، وتكتفي الأسر بالبحث عن سد حاجاتها اليومية بالكفاف من سلع وخدمات كانت في السابق ترفضها الأسواق، لأن معيار القدرات الشرائية عادة ما يحدد خصائص أجندة بضائع التجار، في هذا الوقت أخذت مظاهر جديدة تتعمق في سلوك السوق أهمها افتقاد المناعة فيما يعرض للناس من سلع وخدمات تفتقد أبسط معايير الجودة، ما دام هناك من يقبل عليها تحت وطأة جنون الأسعار وزيادة الطلب.
يعمل ضغط الموارد مع انخفاض مستوى كفاءة إدارة المتاح منها على المزيد من تضاؤل هذه الموارد التي تعاني في الأصل من الندرة، وبالنتيجة فإن المتاح أمام الأسر والأفراد من الطبقات العريضة يصبح محدوداً، وبالنتيجة تلجأ هذه الطبقات إلى الرضا بالرديء من السلع والخدمات، بل وتبحث عنه، وفي هذه الظروف تنتعش قطاعات للرداءة أحياناً تمارس نشاطها بانتهازية مكشوفة، وأحياناً نتواطأ جميعاً في خلق ثقافة تتستر وتحجب ما يحدث حولها.
في خط مواز مع هذه التحولات يزداد الضغط والاستهلاك الجائر للنظم البيئية المحلية بأبعادها المختلفة، نتيجة الاستهلاك الجائر للبنى التحتية وسوء إدارتها وتحميلها فوق طاقتها، وللأسف فإن إمكانية رسم سيناريوهات لاحتمالات مسار التدهور في النظم البيئية المحلية يعد من أعقد الأمور، في الخلاصة فإن التحدي الحقيقي لا يكمن في جوهر الانفتاح الاقتصادي وإن وجدت بعض ملامحه في الظروف القسرية والزيادة غير الطبيعية في السكان، بينما تكمن البؤرة المركزية في إنتاج رداءة الحياة في ضعف كفاءة إدارة الموارد قبل أي شيء آخر.
الغد 2017-10-01