هموم الجيل الجديد غير همومنا
كلما حضرت محاضرة عامة، تستوقفني ملاحظة لا يمكن إنكارها وهي ندرة تواجد الجيل الجديد سواء بين المحاضرين او الحضور. اشعر بتزايد ان نقاشاتنا واراءنا لا تجد صدى لدى أبناء وبنات الجيل الجديد، وان مفرداتنا غير مفرداته، والاطر التي تحكم تفكيرنا تختلف عن أطره. للجيل الجديد أسلوب تفكير مختلف وتطلعات ومخاوف اخشى اننا لا ندركها ولا نحسن التعامل معها، ما أدى الى تباعد واضح بين صانعي القرار والشباب.
احاول شخصيا التواصل مع الجيل الجديد بشكل منتظم، واشعر ان هناك حاجة ماسة لمحاولة وضع أنفسنا مكانهم وفهم تطلعاتهم كما أدوات تفكيرهم. ولا أزعم انني نجحت في ذلك، الا ان هناك خطوطا عامة يمكن تلمسها من هذا الجيل، وهي ملامح يستطيع الانسان أن يستشفها بوضوح لدى الحديث مع أبناء وبنات الجيل في مختلف محافظات المملكة.
من الواضح تماما أن هذا الجيل يكاد لا يثق بأي ممن كان في المسؤولية، وليس ذلك بمستغرب. فقد اعتدنا الخطابات الرنانة في الحديث معهم، التي تركز على الشكل اللغوي اكثر من المحتوى العملي، والتي لم تؤدِ الى حل مشاكلهم. لا تنفذ نبرتنا العالية الى عقولهم او قلوبهم، وهم غير معنيين بالخطب الحماسية او المشاعر العاطفية او الوعود البراقة، لا يشدهم الا المنطق السليم والمعلومة الصادقة والصراحة والوضوح في الطرح، وهو ما نفتقر إليه اليوم.
تبعا لذلك، فان تقسيماتنا الحزبية والايديولوجية الخالصة لا تعنيهم بقدر ما كانت تعنينا. لا يهمهم ان كنّا اسلاميين او قوميين بقدر ما يهمهم ان كنّا صادقين او لدينا مشاريع مقنعة تضمن لهم مستقبلا أفضل.
هاجس البطالة اكثر ما يقلقهم. لم يقدَّم لهم بعد مشروع يقنعهم أن هناك خطة مناسبة لإيجاد فرص عمل لهم حين يتخرجون، وأن فرص العمل على قلتها ستكون متاحة لهم حسب الكفاءة وليس للذي له واسطة. حجم الإحباط والظلم الذي يشعرون به جراء المحسوبية أكبر مما يتصوره البعض منا.
يريد الجيل الجديد أيضا أن تُزال عنه القيود التي لا تسمح له بحرية التفكير والإبداع. أذكر أنه في إبان النقاشات التي تمت اثناء وجودي في القطاع العام حول أهمية الاصلاح السياسي والاقتصادي، كتبت ورقة قلت فيها اننا لن نستطيع منافسة دبي من حيث مستوى الاجور، ولكن الشباب الاردني مستعد لقبول اجور اقل مما تمنحه دبي ان عاش في محيط يسمح له بحرية الفكر ما يساعده في الابداع والابتكار. فهل هيأنا لجيلنا مثل هذا الفضاء؟ بدلا من ذلك، لم نفتأ نرسل للجيل الجديد رسائل متناقضة، فمن جهة رسالة تشجعهم على تطوير حياة حزبية، ومن جهات اخرى رسائل تحذيرية من مغبة العقاب ان هم انخرطوا في اي عمل حزبي في جامعاتهم.
أكثر ما يحتاج اليه الجيل الجديد اعطاؤه الأمل بمستقبل واعد. ولا يأتي ذلك من خلال الخطابات، ولا من خلال التعامل مع هذا الجيل من منظور النوادي الشبابية والرياضية. يطالب الجيل الجديد ان يكون شريكا حقيقيا في صنع القرار، وان قبل آباؤه وامهاته بضعف التمثيل، لا يبدو هذا الجيل مستعدا لإعادة نفس التجربة، وهو الذي ينظر الى العالم فيرى رؤساء وزارات ووزراء في اهم الدول المتقدمة ممن لا يكبرونه كثيرا.
نخطئ حين نستمر في تعميق هوة الثقة مع جيل المستقبل لتشبثنا بالمناصب او لعدم محاولتنا فهم تطلعاته ومخاطبته بالوسائل التي يفهمها وإشراكه بصنع القرار. بغير ذلك، فإما أن نفقد أفضل عقولنا للخارج، أو نتركها لتطرف لا يحمد عقباه.
الغد 2017-10-04