"بروفة" المصالحة الفلسطينية
رُفِع الفيتو الأميركي-الإسرائيلي عن المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، واتجهت حركة "حماس" نحو خطوة براغماتية بالتفاهم مع "فتح"، تمكَّنَ يحيى السنوار من إنجازها، بما له من ثقلٍ وازن في صفوف الحركة وقيادتها، وشجّع على ذلك علاقته الجيدة القديمة بمحمد دحلان.
المتفائلون يرون أن حظوظ المصالحة هذه المرة أوفر من تجربتي اتفاق مكة (2007) واتفاق مخيم الشاطئ (2014)، لثلاثة أسباب على الأقل أولها أن ثمة جهداً إقليمياً قوياً خلف هذه الخطوة تقوده مصر والإمارات، وثانيها أن هناك رغبة أميركية بقيادة ترامب في تحقيق اختراقٍ سياسي ما في الملف الفلسطيني-الإسرائيلي، وثالثها حاجة "حماس" لمتنفس سياسي كهذا في ظل الحصار الإسرائيلي الجائر، ورابعها أنّ "فتح" تبدو عبر المصالحة وشروطها بمظهر المنتصر بعد قبول "حماس" بحلّ اللجنة الإدارية (حكومة الأمر الواقع في غزة).
أما الفريق الآخر المتشائم فيلحظ أن ليس ثمة ما يؤكد أن "فتح" و"حماس" تعلمتا الدروس المطلوبة، فالطرفان لمّا يقتنعا بعدُ بأن الشراكة الوطنية المتساوية هي السبيل للخروج من المعضلة التي تعيشها القيادات الفلسطينية وتكاد تغطي على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الإنسان والأرض الفلسطينية. الحنكة السياسية تخدم الحق وتعززه، ويُضيّعُ الأخيرَ الكيديةُ والتخبطُ الفصائلي، والعقليةُ التي تماهي بين عدم اتقان السياسة والتآمر الدولي.
إعلان "حماس" التنازل عن سلطتها في غزة أنتج المصالحة الحالية، وكان رفع صور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في غزة حدثاً لافتاً، لكنّ الحركة لم تتنازل عن الملف الأمني، ولديها رغبة في انخراط عشرات الألوف من جهازها الأمني والحكومي في صفوف موظفي السلطة الفلسطينية، والأخيرة غير مهيأة لذلك سياسياً ومالياً، حتى هذه اللحظة، وهي غير مستعجلة في إزالة العقوبات عن "حماس".
عشر سنوات من الانقسام السياسي والجغرافي خلقتْ شعبين فلسطينيين في الضفة وغزة، وخلقت هوية غزّاويّة داخل "حماس" يتصاعد تأثيرها في بنية الحركة وقرارتها، وهو إن كان يُصعّدُ العنصر المحلي في "حماس" فإنه سيزيد من عوائق نجاح المصالحة لتضارب حسابات طرفيها وضِيقها بهويةٍ وطنية جامعة منفتحة.
"فتح" المنهكة لا رغبة لديها في المقابل في أن تفتح الضفة لـ"حماس"، ناهيك عن قبضة إسرائيل القوية في الضفة. و"فتح" بقيادة الرئيس محمود عباس لا تريد أن يستفيد محمد دحلان من المصالحة، هو الذي تشير بعض الاستطلاعات إلى تصاعد شعبيته في غزة بعد اتفاقه مع "حماس" في تموز (يوليو) الماضي إلى 23 % بعدما كانت قبل تسعة أشهر نحو 9 %.
الرئيس عباس صرّح بأن السلطة الفلسطينية ستتسلم "كل شيء" في غزة، وجدد رفضه تكرار تجربة "حزب الله" اللبناني في غزة، قاصداً بذلك "وحدة السلاح"، وألا تكون الحكومة ضعيفة مقابل من بيده السلاح، وهو ما ردّ عليه رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية بالقول إن "هناك نوعين من السلاح، سلاح الحكومة والشرطة وأجهزة الأمن الحكومية، وسلاح المقاومة"، وبرأي مراقبين فإن طرح ملف سلاح المقاومة، قد يفجّر الحوار بين الطرفين في القاهرة الأسبوع المقبل، ما يعني أن كل ما تمّ حتى الآن "بروفة" على المصالحة، برغم أهميته المؤكدة.
بعبارة مكثّفة: ستنجح المصالحة حين يدرك طرفاها أهمية "تعلّم الدروس"، وهذا العنصر غير منفكّ عن استيعاب السياقات الدولية والإقليمية، وما تشهده المنطقة من تجاذبات واستدارات في المواقف والتحالفات وترتيبات المنطقة، والفلسطينيون اليوم عاملٌ ثانوي فيها، بسبب بشاعة سياسات الاحتلال... وبسببهم، وهذا أولُّ درسٍ من شأنِ تعلُّمِه إنجاح المصالحة، وإنقاذ ما تبقى من قضية عادلة.
الغد 2017-10-06