مصير كتائب القسام في المصالحة الفلسطينية
المتفائلون بإتمام المصالحة بين فتح وحماس لديهم نصف فرص المتشائمين ، ولأسباب ذات علاقة مع طبيعة حماس وتركيبتها التنظيمية وميثاقها الذي جرى تعديله مؤخرا ، والضغوط التي تمارس على سلطة عباس .
قد يكون رأيي مخالفا للمتفائلين ، ولكن التعمق في المشهد الفلسطيني بدون عاطفة يخلق مبررا لمثل هذه النظرة .
ولا يختلف اثنان أن المعضلة الرئيسية والتي قد تنسف أي اتفاق نهائي ( لا خيار أمام حماس الآن سوى " إدارة الخلاف " ) تعود لسلاح الحركة وجناحها العسكري ، وهذه هي العقدة التي سيعجز المنشار المصري عن تخطيها .
الإسرائيليون الذين ألزمهم نتنياهو بالصمت حول الملف وعدم التعليق إلا بعلمه ، لحساسية القضية ، أعلنوا موقفهم قبل أن يلوذوا بالسكوت ، وفحواه : أن سلاح حماس يجب أن ينزع إذا أراد الجميع موافقة إسرائيل على المصالحة الموعودة .
ولكن حماس ، ووفق مصادر استخبارية مسربة ، كشفت بأن قادة الحركة فاجأوا الحمد الله في اجتماع غزة بطرح هذه القضية ، وهو ما لم يكن بالحسبان ، ولكن كيف طرحت حماس قضية سلاحها الذي تدرك بأنه هو بيت القصيد في إتمام أي مصالحة مستقبلا ؟؟ .
المصادر كشفت بأن حركة حماس طرحت أن يتم تشكيل جيش فلسطيني تكون كتائب القسام ضمن تشكيلته على أن تدار هذه الكتائب بطريقة مستقلة ، وتقول المعلومات : بأن الحمد الله ، وخلف الأبواب المغلقة ، رفض هذا الطرح رفضا تاما ، مما أفشل الجولة الأولى ، أو بالأحرى الزيارة الأولى ، لماذا ؟؟ ..
لأن سلاح حماس ليس قضية فتحاوية فقط ، بل هو قضية إسرائيلية أمريكية غربية وعربية أيضا ، ولطالما شكل حجر عثرة في الوصول لأي حل ، وحكم على القطاع بحصار امتد لأكثر من عقد من الزمان ولا يزال .
ولا يخفى على المراقب أن أي ملف شائك لن تنأى حماس بنفسها عن مناقشته ، من مثل " الإعتراف بإسرائيل واحترام أوسلو والإتفاقات الموقعة مع الجانب الفلسطيني ونبذ الإرهاب ".. أما مسألة تسليم أو إلقاء السلاح فشأن بعيد المنال حتى الآن ، وربما غدا ، رغم ما تسرب عن أن فتح اشترطت على القاهرة أن لا يناقش موضوع سلاح المقاومة إلا بعد إتمام المصالحة وإيجاد حل للقضية الفلسطينية ، ولكن هذا نسفه أبو مازن لاحقا حينما قال بأنه لن يقبل بنموذج حزب الله في غزة .
حماس كانت تعلم بأن الرفض سيكون مصير طرحها هذا ( تشكيل الجيش الموحد واستقلالية قيادة القسام داخله ) ومن أجل ذلك كانت عمقت علاقاتها بإيران بعد أن حسمت خياراتها المتذبذبة بين العرب المعتدلين وبين طهران لصالح الأخيرة ، مما يعطي إيران ثقلا جديدا في المنطقة ، وخاصة في الملف الفلسطيني ، وما يعزز هذه الحقيقة ما نراه من اندلاق قادة الحركة على الدولة الفارسية الصفوية ، والتصريحات التي تصدر بين الفينة والأخرى من قادة في حماس تثني على نظام الملالي ، ويكفي أن يحسم الجدل في هذه القضية نتائج الإنتخابات التي جرت الخميس في مجلس شورى الحركة ، عندما تم اختيار العسكري صالح العاروري نائبا لرئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ، بما يعرف عن العاروري من صقورية حازمة ، بالإضافة إلى موافقة الحركة على أن تكون الضاحية الجنوبية في بيروت هي مقر العاروري ، أي أن يكون مكتب العاروري تحت حراسة حزب الله اللبناني المبايع للولي الفقيه في طهران .
من أجل ما سبق ، فإنني حذر جدا حيال كل ما يقال عن المصالحة التي يتمناها كل فلسطيني وعربي وحر في العالم ، لوضع حد لانقسام شعب مكلوم مشرد في كل بقاع الدنيا ، ويقارع بمفرده أعتى وأشرس الأعداء في التاريخ .
إن المصالحة الفلسطينية لا تزال وستظل على المحك للأسف ، ومخطئ من يعتقد أن إسرائيل ستوافق على مصالحة بدون نزع سلاح كتائب القسام ، والمقاومة عموما ، ولهذا السبب أعلن تشاؤمي حتى لو أعلنت سلطة عباس إلغاء إجراءاتها المالية في غزة والبدء بإدارة القطاع ودفع رواتب الموظفين .
د.فطين البداد
جي بي سي نيوز 2017-10-08