الوضوح والغموض في المشهد السوري!
أتساءل ببراءة المواطن العربي العادي، وخبث الصحافي المتابع العارف: اذا كانت كل الدول العربية والأقليمية والدولية تحارب الإرهاب، فمن يسلّح ويموّل ويدعم المنظمات المسلحة المتطرفة الإرهابية اعلاميا وسياسيا؟!
صحيح ان تمويل وتسليح الأرهابيين صار شحيحا بسبب الضغوط الأقليمية والدولية ، والتغيير المتسارع في التحالفات ، الا ان بعض الفضائيات ما زال يدعم هذه التنظيمات اعلاميا ، خصوصا الناشطة في سوريا ، على قاعدة « يموت الزماّر واصابعه تلعب « !!
وعلى سيرة التنظيمات المسلحة في سوريا ، أرى أن المشهد يتحول الى الغموض والتعقيد، بعدما دخل الصراع مرحلته الأخيرة ، بفضل تقدم الجيش السوري ليحاصر ويحشر المنظمات الأرهابية في آخر معاقلها. أعتقد أن المصاعب والمتاعب والتعقيدات حدثت بسبب كثرة اللاعبين وتعدد مصالح واهداف الدول الأقليمية والدولية.
الثابت أن أوروبا تراجعت خطوة الى الخلف ، بالنسبة للتدخل في المنطقة ، منذ وصول الرئيس ترمب الى البيت الأبيض ، وبسبب التغييرات على مستوى القيادة التي حدثت في اكثر من دولة في الأتحاد الأوروبي. وفي ذات الوقت نلاحظ أن الدور الأميركي بالمنطقة قد تراجع ايضا. فوجود واشنطن كلاعب في الأزمات لا يتجاوز دور المخرّب والمعطّل للحلول السياسية كما الحسم العسكري ، خصوصا في سوريا ، حيث تدعم قواتها بعض التنظيمات المسلحة قصد عرقلة الحلول فحسب.
قد يكون السبب هو التخبط والأرتباك في قرارات الادارة الأميركية ، والانقسام والقضايا الداخلية منذ بداية عهد ترمب ، اضافة الى عدم وضوح اهداف السياسة الخارجية ، خصوصا مع وجود ملفات وتحديات كبرى تواجه ادارة البيت الأبيض ، وفي مقدمتها ملف كوريا الشمالية والاتفاق الدولي حول قضية النووي الأيراني ، والتعامل مع كوبا وفنزويلا وبعض دول اميركا اللاتينية الأخرى.
الثابت أن الولايات المتحدة غرقت في كل هذه التطورات والتفاصيل ، وغابت عن ازمات الشرق الأوسط. هذا الواقع فتح شهية القيادة الروسية للعودة الى الشرق الأوسط ومياهه الدافئة من اوسع ابوابه ، وأعني الأزمة في سوريا ، تحت عنوان المشاركة في الحرب على الأرهاب ، وفي الحقيقة لعبت دورا مهما وفاعلا في هذه الحرب ، خصوصا في الحرب الجوية ،على عكس الولايات المتحدة التي دعمت التنظيمات الأرهابية عسكريا وسياسيا.
مصداقية القيادة الروسية ، والنتائج التي حدثت على الأرض ، عززت موقف ودور موسكو ليس في سوريا فحسب بل على مستوى الشرق الأوسط كافة. فمن تواجدها في سوريا نسجت شبكة واسعة من العلاقات الوطيدة مع الدول الأقليمية المؤثرة في المنطقة وفي مقدمتها ايران وتركيا وقد لحقت المملكة السعودية الركب ، فكان لزيارة الملك سلمان الى الكرملين صداها ونتائجها الأقتصادية والسياسية والعسكرية ، وتعزيزعلاقاتها مع روسيا بشكل غير مسبوق ، وهذا لا يعني انها ستكون على حساب العلاقات السعودية الأميركية.
كل هذه التطورات والتغييرات في التحالفات فرضها الدور والتواجد الروسي في سوريا ، وهذه المتغيرات انعكست ايجابيا على الواقع السياسي والعسكري في سوريا ولصالح وحدة الأرض والشعب والدولة ، رغم التخريب الذي تخطط له واشنطن في الشمال السوري بهدف فرض حدود «الأقليم الكردي» ، وهو ما تعارضه الدول الأقليمية المؤثرة مثل تركيا التي تدعم تنظيمات اخرى وتشترك معها القتال بقرار من اردوغان ، وايران القوة الفاعلة الأخرى.
أمام هذا المشهد الغامض والضبابي في ختامه ، لست ادري كيف ستتعامل موسكو مع تواجد هذه القوى المتعارضة المتقاطعة في الشمال السوري ، مع وجود هذه الشبكة من العلاقات والمصالح مع الدول المتورطة في الصراع والداعمة للفصائل المسلحة ، وقد لاحظت ان موسكو لا تنتقد بعض الفصائل المسلحة مثل قوات سوريا الديمقراطية ، ولا الجيش الحر الذي تدعمه تركيا ، رغم العداء للنظام والجيش السوري ، هل من أجل مفاوضات الحل السياسي ، أم انها لعبة الغاز صعبة على الفهم ومحيرة ؟!
الراي 2017-10-09