الى أين يريد أن يأخذنا هؤلاء ..؟!
يا إلهي، كيف يمكن “لأحدنا” ان يقف متفرجا على بلده وهو يعيش مثل هذه الازمات؟ كيف يمكن ان “ينام” بهدوء وهو يسمع هذه الاصوات التي تتغلغل في كل بيت “شاكية” او “باكية” من سوء الاوضاع او من القادم الاخطر؟ كيف يمكن “للعقلاء” تحديدا ان يلتزموا الصمت ويتركوا للناس مهمة الامساك بزمام “المبادرة” لينتزعوا حقوقهم بمعرفتهم؟ اية سيناريوهات نتوقعها اذا ما شعر الناس “الفقراء” بأننا خذلناهم وبأننا ضربنا على “اعصابهم” الحساسة وادرنا ظهرنا لمطالبهم؟ او اذا ما احسّوا بأن “اصواتهم” مجرد صراخ لا يسمعه احد.
لا بد ان نصارح انفسنا الآن بما فعلناه على مدى الاعوام المنصرفة ، وان نسأل: ما الذي انجزناه؟ ولماذا لم يقتنع الناس؟ وما الذي يمنعنا من “مباشرة” الاصلاح؟ ولماذا نصرّ على “استفزاز” الناس ومعاقبتهم بمقررات اقتصادية “مرة”؟ وبصراحة اكثر: لماذا نقدم مصالحنا الخاصة على مصلحة بلدنا؟ ولماذا لا نتطلع لما يحدث من حولنا ونتعظ به؟ والى اي طريق يريد ان يأخذنا هؤلاء الذين لا يؤمنون بالاصلاح ولا يفكرون الا في امتيازاتهم وحساباتهم الانانية.
ان ما نسمعه في “الاعلام” هو جزء بسيط من “الصورة” ولا يجوز ان نستهين بما تحتها ووراءها، كما لا يجوز ان “نقنع” انفسنا بأننا “استثناء” وبأن “طيبة” الناس وقدرتهم على الاحتمال تمنحنا “شيكا” ابيض للسحب من “رصيد” معاناتهم، لقد دقت لحظة الحقيقة، ودخل كثيرون على الخط، وبمقدورنا ان نقرأ ما ينشر في الداخل والخارج، وما يقال هنا وهناك، لنفهم ما حدث للاردنيين وما يمكن ان يحدث.
حين ندقق اكثر في المشهد، سنكتشف باننا لم نغادر “دائرة” الحيرة والارتباك، فالاوضاع الاقتصادية القت بأعبائها على المواطنين ولا امل في تحسين ظروف معيشتهم في القادم من الايام ،وخياراتنا السياسية تسير في طريق محفوف بالاسئلة والاستفاهمات، واذرع الدولة التي كانت قادرة على احتضان “مواطنيها” واستيعابهم تراخت ومعها تراجعت تقاليد وقيم وقوانين كانت تمثل “سياجا” يقنع الناس ويحميهم ويجعل اقدامهم اكثر ثباتا على الارض، ووسط هذه الاجواء تعرض مجتمعنا لتحولات خطيرة مست بنيته الاخلاقية والقيمية، اذ تصاعدت معدلات الجريمة والطلاق والنهب والانتحار والقتل لأتفه الاسباب، وانتشرت المخدرات ومظاهر الرذيلة والانحراف، كما ان هواجس القادم على صعيد التطرف والارهاب مع عودة المقاتلين الهاربين الى التنظيمات الارهابية ما تزال تثير مخاوفنا، خاصة واننا لم نستعد بما يكفي لاستقبالهم والتعامل معهم، ناهيك بالطبع عما تفرضه سيناريوهات السياسة وتحالفاتها في هذا الاقليم المضطرب من استحقاقات مفزعة لا نعرف بالضبط الى اي مدى سنؤثر بها او تؤثر بنا، وتهدد مصالحنا الوطنية.
قلنا بأن قطار الاصلاح الذي تباطأ وتأخر كثيراً يواجه على مسار آخر مواز قطار “نفاد الصبر” هذا الذي يسير بسرعة جنونية، ودعونا مراراً الى ضرورة دفع القطار الأول بكل ما نملك من امكانيات وارادات لكي نستدرك القطار الآخر ونخفف من سرعته.. لكن يبدو ان اصواتنا ذهبت سدى وأن آذان المسؤولين لم تلتقط ذلك، بحجة انه مجرد صراخ وسينتهي حين يتعب مطلقوه والمستمعون له ايضاً.
المشكلة ان قطار “نفاد الصبر” كان اسرع بكثير من “قطار” الاصلاح الموعود، والنتيجة هي ما نراه امامنا: مجتمع منقسم على نفسه، ونخب مشغولة بصراعاتها السياسية، واجندات مغلقة لا نعرف ما بداخلها، ولاعبون “اشباح” يعبثون بكل شيء، وثنائيات قاتلة اختزلت الوطن في “كعكة” جاهزة للاقتسام.
الان نحن مقبلون على تحولات سياسية لها استحقاقاتها، سواء على صعيد الداخل وما يتعلق به من “ازمات” اقتصادية ومقررات مُرّة، أو من “صراعات” وانقسامات في مناطق النفوذ وخارجها، وعلى صعيد الخارج بما يحفل به الاقليم من “نذر” حرب قادمة، ومن اشتباكات طائفية ومذهبية، ومن ترتيبات وخرائط جديدة يُعاد رسمها، وبالتالي فان “الفاتورة” التي سندفعها ستكون باهظة، وهي تحتاج الى “جبهة” داخلية متماسكة ومؤمنة بما يستحق علينا وجاهزة لكي تدفعه.. واعتقد ان حالة مجتمعنا ليست كذلك، ما يعني أننا سنواجه “لحظات” صعبة يفترض ان نستبقها بعمل “جبّار” وجهود جدّية، تستهدف أول ما تستهدف تغيير المعادلات السياسية القائمة نحو معادلات صحيحة وصلبة تقنع الناس بأن مرحلة جديدة قد بدأت حقاً، وبأن “مشروع الاصلاح” قد انطلق بما يجب أن يتضمنه من اعادة الاعتبار لعلاقة المجتمع مع الدولة، واقامة موازين العدالة، وترسيم حدود المحاسبة والمكاشفة، وترسيخ الوئام الداخلي، وحل الأزمة الاقتصادية بعيداً عن تحميل اعبائها للطبقات الفقيرة والمتوسطة..الخ، زد على ذلك ما يتعلق باستقلالية القرار وبالنأي عن الحلول التي تطرح لمواجهة أزمات الاقليم بحيث لا نورط أنفسنا في “ازمات” جديدة ولا ندفع من جيوبنا أثماناً سياسية لارضاء هذا الطرف أو ذاك.
الدستور 2017-10-10