جابر عثرات الميزانيات!

تم نشره الثلاثاء 24 تشرين الأوّل / أكتوبر 2017 01:06 صباحاً
جابر عثرات الميزانيات!
حلمي الاسمر

اقتراحي برسم التنفيذ الفعلي، دار في خلدي أخيرا، وهو تخصيص جائزة سنوية لمواطن ما، يختزل في شخصه كل صفات المواطن الصالح، الصبور، الصامت، المحتسب كل ما يجري له (حسابه بعدين عند رب العالمين!) ..
الجائزة تعبر عن امتنان الدولة له، فهو الممول الرئيس لميزانيتها، فهو يدفع ما يزيد عن ثمانين ضريبة، تبلع أكثر من نصف دخله، المحدود أو اللاموجود أصلا، وهو أيضا مواطن يتحلى بكل صفات «أيوب» صبور ومثابر وسكوت، ويلهج لسانه بالشكر على كل اجراء، ويعتبر نفسه منذورا لإكمال النصاب، أي نصاب يشاؤون، وهو جابر عثرات الميزانيات وعجزها الدائم، والمستهلك المثابر لكل ما تقذف به صناعاتنا الوطنية، والمستكين لكل الاجتهادات، والمصفق المرحب بكل القرارات، انه مواطن وادع يستحق منا كل رعاية لتشجيعه على مزيد من المواطنة الصالحة الممتثلة للمشيئات كلها، ما ظهر منها وما بطن.
انه يذكرني بأمي رحمها الله، التي كانت تعتذر ان ضحكت، وتداري وجهها ان تبسمت، تصحو باكرا قبل الكل، تبدأ عملها بالشكر والثناء على «نعمة» البقاء حية حتى الآن، ولا تخلد لفراشها الا حينما ينام الكل، وتطمئن على أنهم جميعا يتدثرون جيدا بأغطيتهم، ليس لها مطالب محددة الا رضى أبي والجميع، كانت توبخني ان «أزعجت» أحد الجيران بردي على اعتداءات أحد أطفاله، وكانت تنتهر اخواني ان رفعوا أصواتهم جراء مشاجرة، فنحن أسرة مستورة، لم يسمع صوتنا أحد، ويجب أن نبقى كذلك، كانت «مواطنة» تعطي بلا حساب في الأسرة، وهذا هو شأن «مواطننا» الحبيب، الذي يهب كل ليلة يتوقع فيها رفع سعر ما، كالمشتقات النفطية مثلا، لتوفير بضع دنانير، فيعبىء خزان سيارته، وهكذا يتصرف مع كل تطور، إنه رد «حنون» ومتواضع على قرار الرفع –أي رفع- لا يؤذي أحدا! بل يتماهى معه ويقبل به ويعمل باستحقاقه على الفور!
مواطننا يستقبل كل القرارات بالقبول لسبب هام ورئيس، انه يعتقد دائما وجازما أن الناس التي في الأعلى ترى أفضل، لأنها تشرف على الصورة من عل، وهم يعرفون المصلحة أكثر منه، وهو يعرف حده فيلزمه، وهو موقن أن الوطن يستحق منه أكثر مهما أعطاه، حتى ولو كلفه هذا الأمر التبرع بأحد أبنائه، ألا يسامح بدم طفل هرسته سيارة بفنجان قهوة؟ فكيف لا يتسامح مع قرارات حكومية «مدروسة» بعناية تستهدف ابقاءه عند حد اللهاث وراء رغيف الخبز، حتى لا تزوغ عينه الى ما هو أكثر، مما يضر بالمصلحة العامة، ومصلحته الشخصية، فلا يخطط أبدا لاقتراف فعل مناف للجوع أو الفقر!
أكثر من ذلك، هو يعتقد أن عليه ان يُسكت كل من يشذ عن طريق الصبر، وهو مستعد لرميه بكل التهم الكبيرة التي تخرجه من «الصف الوطني» ويستهجن –عادة- كيف يتجرأ البعض على التشكيك في قدرته على المزيد من الصبر، لأنه يعتقد أن مخزونه من الصبر، من فئة الطاقة المتجددة، لا الأحفورية، ولذا فهي لا تنضب، ففؤاده نابض بالولاء والانتماء، ولسانه يلهج بالدعاء لإصلاح الحال..
انه مواطن صالح وأيوب وعلى باب الله، وحليم جدا، لكن يتساءل سرا بينه وبين نفسه: الى متى؟؟

الدستور 2017-10-24



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات