الأخوة "الأعداء"!
منذ نهاية الشهر الماضي وحتى الساعة وإقليم كردستان عبارة عن بركان يغلي وتتساقط حممه على العراق ودول الجوار، نتيجة قرار الاستفتاء على استقلال الإقليم الذي أصرّ عليه رئيس الإقليم مسعود البرزاني، وأيدته غالبية الأحزاب الكردية.
بعد الإصرار الكردي على الاستفتاء دخلت العلاقات بين بغداد وأربيل مرحلة الاقتتال بعد توقع البرزاني وغالبية الأحزاب بأن "الاستفتاء" سيكون ورقة ضغط ضد حكومة العبادي إلا أن الضوء الأخضر الأميركي للعبادي غيّر المعادلة- حيث إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكد أن" الولايات المتحدة لا تنحاز إلى أي طرف في العراق"- وخلال عدة أيام سيطرت قوات حكومة بغداد المدعومة من الحشد الشعبي وعناصر قاسم سليماني على كافة "المناطق المتنازع عليها"، بما فيها كركوك - المدينة الغنية بالنفط والمسيطر عليها من قبل الاتحاد الوطني- وسيطروا كذلك على سهل نينوى وسنجار ومناطق في محافظتي ديالى صلاح الدين.
اليوم - وبعد اقتراب قوات حكومة بغداد من أربيل عاصمة الإقليم على مسافة 50 كم فقط- انعكست نتيجة هذه المعارك على الداخل الكردي، وأدخل الإقليم بمرحلة جديدة من الاتهامات المتبادلة بين زعماء الاتحاد الوطني بزعامة زوجة الرئيس السابق جلال الطالباني وأبنائه، والحزب الديمقراطي برئاسة مسعود البرزاني وأولاده وأقربائه.
بعض وسائل الإعلام الكردية تناقلت نسخة لاتفاق من تسع نقاط أبرمه بافل الطالباني، مع زعيم منظمة بدر هادي العامري بإشراف رئيس الوزراء حيدر العبادي وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، يقضي بـ "عدم مواجهة القوات الاتحادية خلال إعادة انتشارها وانسحاب البيشمركة من المناطق المتنازع عليها، وتخليها عن وحدات إدارية، وتشكيل إدارة مشتركة لكركوك وخضوع قاعدتها العسكرية والمطار وآبار النفط للسلطة الاتحادية، مقابل رفع الحظر عن مطار السليمانية ودفع رواتب الموظفين وعناصر البيشمركة في كركوك والسليمانية، وتحويلهما مع محافظة حلبجة إلى إقليم جديد".
الاتهامات الكردية المتبادلة بالخيانة ارتفعت مع انطلاق معارك سيطرة حكومة بغداد على كركوك ومنها الاتهام الموجه " للاتحاد الوطني بخيانة الشعب الكردي، ووقوفهم مع بغداد ضد البرزاني"، وبالمقابل - وقبل يومين- طالب بافل جلال الطالباني "بالتحقيق مع المسؤولين الأكراد الذين أوصلوا إقليم كردستان لما هو عليه الآن"، وما تزال الأجواء مشحونة بشحنات الخيانة والغدر بين الشركاء الكرد، رغم التهدئة الإعلامية المفتعلة بين غالبية الأطراف الكردية.
الصراع بين الحزبين الرئيسيين في شمال العراق ليس حديثاً، وظهر بشكل واضح في آب (أغسطس) عام 1996 حينما استعان البرزاني بالجيش العراقي وطلبه الصريح من الدولة العراقية لمساعدته في مواجهة الاتحاد الوطني، وبعد شهر من تدخل الجيش العراقي استولت قوات الحزب الديمقراطي (حزب البرزاني) على أربيل التي كان يسيطر عليها الاتحاد الوطني، وتم الإعلان عن حكومة جديدة بقيادة الحزب الديمقراطي في مبنى البرلمان بأربيل، وبعد أقل من شهر استعادت قوات جلال الطالباني السيطرة على السليمانية.
وفي محاولة لسحب البساط من تحت أقدام البرزاني أعلن الطالباني بداية العام 1997 تشكيل حكومة كردية ومقرها السليمانية، واستمر الإقليم يُدار من حكومتين في أربيل والسليمانية، وبعد جهود أميركية حثيثة وقع البرزاني والطالباني في أيلول (سبتمبر) 1998 على "اتفاق سلام في واشنطن يقضي بإنهاء التشظي الكردي".
وبعد الاحتلال الأميركي للعراق أظهر الكرد مواقف متطابقة من الاحتلال وتدمير الدولة العراقية بحجة تغيير النظام إلى نظام "ديمقراطي"، وقد حصل الكرد لإقليمهم على مكاسب لم تكن في حساباتهم ومنها الدستور الذي أسس للنظام الفيدرالي الذي عده الكرد اللبنة الأولى لتحقيق حلمهم بدولة كردية في المنطقة.
المصير المتوقع لإقليم كردستان هو احتمالية انقلاب شركاء العملية السياسية الكردية على البرزاني، وسعيهم لتحييده، وحينها سيلجأ البرزاني لمواجهة "الأخوة الأعداء" من الاتحاد الوطني والتغيير وغيرهم، وربما ستشهد الأيام القادمة - وبالذات في حال عدم حصول مفاوضات بين بغداد وأربيل أو فشلها- اقتتالاً أهلياً بين الجماعات الكردية، وبالأخص بين أتباع الطالباني والبرزاني.
أعتقد أن الأيام القادمة تحمل في طياتها جملة من التحديات التي تواجه القيادة الكردية نتيجة السعي لتمزيق العراق بحجة تحقيق حلم الدولة الكردية فيما يعاني غالبية المواطنين الكرد من الحرمان والجوع ونقص الموارد وعدم دفع الرواتب وهذه كلها نتائج طبيعية للسياسات العشوائية غير المدروسة.
الغد 2017-10-24