في الذكرى الخامسة لغيابه: حبيب الزيودي.. عشق الأردن وظلمته
شاعر الاردن العملاق وعازفها العذب الفذ حبيب الزيودي، ظُلم ظُلما فادحا كان السبب الأبرز في انطفائه مبكرا.
يجب ان نتذكر ان فتى الأردن الذي غنى لعمان فأغناها وجعلها على كل لسان، يجدر ان تحمل أبرز المؤسسات والشوارع اسمه الغالي على قلوبنا.
يجدر ان نتذكر ان فتانا مات ممرورا مدحورا مقهورا.
وهاهي الحوارات المسجلة الطويلة التي لدي مع حبيب الزيودي، تكشف عمق مأساته ومعاناته. ومن هي «فرق الموت» التي اغتالته.
كان باب بيتي مشرعا والجلسة السياسية الرمضانية منعقدة حين دلف حبيب الزيودي وسالم خزاعلة واتخذا مقعدين وساهما في الحوار السياسي الذي حرصت على ان تتكافأ فيه كفتا الرأي والرأي الآخر.
عندما تحدث حبيب عن المستقبل جاء حديثه مزيجا فاتنا وخليطا فريدا من السياسة والأدب، خلت انه سيتحدث عن وصفي التل وحابس المجالي وصايل الشهوان وحمدان الهواري وفراس العجلوني وموفق السلطي ومنصور كريشان وصالح الشويعر وفرحان الحسبان !
ظل فتانا مسكونا بحمدان الهواري ومفتونا به، كان حمدان ذائبا فيه ومستقرا في اعماقه. كان حمدان ذنْبُه وذئبه، كان نموذجه و»موديله» وكان بوصلته التي ظل يخبؤها في قلبه ثم يسحبها فيجلوها الى ان تشع وتغمر طريقه بالضياء.
وحبيب مغوار، متعجل، منهمك ومنهك.
ظل معتدا بشعره وبالعالوك، وشيئا فشيئا اخذ يتأهب للطفيلة، كان يقول لي: «يا اميري أنا أعد العدة لأبلغ قامتها ولإبلِّغها السلام والرضى»
ضرب لي عشرات المواعيد وكان ظنينا في تلبيتها.
- سأزورك في جاكرتا وسأحل ضيفا عليك لمدة 10 ايام اروي خلالها ظمأ روحك الى الشعر والشجر والقصيد.
- سأزور الطفيلة معك لألقي اجمل القصائد في بلد تيسير السبول.
- سأحضر معك لقاء اصدقاء الفيسبوك في منزلك او في المركز الثقافي الملكي وسألقي قصيدة وسأُحضر عازفا.
- سأبني صيوانا في العالوك وسأرتب مع اصدقائنا امجد القهيوي وماجد القطارنة «الوقائع».
تحاورنا على الفيسبوك عشرات الساعات وعدة اشهر حين كنت في جاكرتا. وقد تمكنت من استخراج نصوص احاديثنا من الفيسبوك التي سانشرها دون تحييد الغضب والسخط والاحتجاج على الجحود وعلى «الوظيفة الحقيرة» التي «نالها» ابرز شعراء الأردن منذ الحارث الثالث والى الابد. فقد حُرم شاعرُ الأردن من جائزة الدولة، في حين منحت لمن لا يطاولون كعبه. ولم يحصل على الدرجة العليا في حين نالها بعض الصبية الذين رأسمالهم انهم من أبناء الطبقة المخملية.
خنقته الغصة على المآل الوظيفي الجائر الذي حُدد له فأوشك ان يتمرد تمردا لا قدرة لأحد على احتماله. باح لي بأدق التفاصيل عن حياته وعن طيشه وعن مغامراته وصبواته ومعاركه وعن مضطهديه الاوغاد الذين هجا بعضهم، ولم يسعفه الوقت لهجاء بقيتهم. واستودعني اسرارا شخصية حميمة سانشرها كلها في حينه.
احب الشاعر ابني عمر وقال انه مقطع عرضي لجيله الذين « أعشقهم واهيم بهم واغبط الاردن الذي انجبهم». ووجه لي مئات القبلات على «تكوين عمر المثقف الحر».
وعندما دعاني للمشاركة في برنامجه الاذاعي المخصص للحديث عن كاتب الاردن الصديق الاستاذ فهد الخيطان، قال لي ان اللقاء القادم بعد زميلي الاستاذ ارحيل الغرايبة سيكون معك. غير انه اخلف الموعد كما اخلف موعده مع جاكرتا واخلف لقاءنا في الطفيلة واخلف الصيوان في العالوك.
وعندما دعا هايل العبيديين، دولة فيصل الفايز لزيارة الطفيلة قال له ابو غيث: سوف احضر مع «ابو عمر». فقلت: وسيكون ثالثنا حبيب الزيودي.
انسجمَ الحبيب مع شباب الطفيلة على الفيسبوك. وتفاعل مع جمال حمد الحجاج قائلا «انا احب هذا الطفيلي المتدفق وطنية». وعندما تبين له ان خالد القطاطشة قد قرأ دواوينه وقرأ له مقاطع من شعره على الهاتف، اصابه الذهول واوشك ان يخرج من اللاب توب. قال لي «انا الذي لم يفه بعد بآية» كما قال تيسير السبول.
كان معلم نفسه. وقد طاول عرارا الذي لا يدانى فداناه.
اخذ من روح العالوك الضاربة في الشجر والثمر والغلال والحداء والرعاة والمطر والتهميش. واخذ من اسلافه الشعراء الماجدين، فهو من سلالة الشعراء ومن فخذ من عشيرة الزيود تسمى»الصحفيين».
كتب حبيب الزيودي في الرأي مقالة بعنوان رسالة الى محمد داودية بتاريخ 31/5/2012 قال فيها:
(... اكثر ما كان يوجعني بعد الاتصالات الهاتفية القليلة معك، صوتك الواجد الذي لا يشبه اصوات السفراء، هذا الحرير المنساب من اللهجة الاردنية التي تختلف عن رطن السفراء وهذا الشوق وتلك الانفعالات التي تجعلني اشعر وانا استمع لك انك تعانقني).
حبيب الزيودي الشاعر الخارق الذي تصادف ذكرى رحيله غدا الجمعة تسرب من بين أيدينا كشهاب لكنه عبر قلوبنا واستقر راسخا في حدائنا وأغانينا إلى الأبد.
يرحمك الله يا صاحبي.
الدستور 2017-10-26