الصدام في الصهيونية
كان خطاب الرئيس الإسرائيلي رؤوفين رفلين، أمام الكنيست، في جلسة افتتاح الدورة الشتوية، يوم الاثنين الماضي 23 الشهر الجاري، مؤشرا واضحا على تعاظم القلق لدى التيار الصهيوني العقائدي، من أداء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وحزبه الليكود، وباقي أحزاب اليمين الاستيطاني. إذ يرى هذا التيار، رغم أنه يميني متشدد، أن أداء نتنياهو يقود إلى سيطرة عصابات منفلتة، تشكل تهديدا مستقبليا على طابع الكيان، وقدرته على الاستمرار.
والقصد بـ "اليمين العقائدي"، هو التيار الأيديولوجي في حزب "حيروت"، المؤسس لحزب الليكود، في العام 1974، فهؤلاء من أنصار ما يسمى "أرض إسرائيل الكاملة". إلا أنهم يتبعون أفكار مؤسس حركتهم قبل العام 1948، زئيف جابوتينسكي، الذي رأى أن من مصلحة الكيان، ضمان نظام مؤسساتي، وأن يمنح "الأقليات" حقوقا مدنية، وليس حقوقا قومية. رغم أن هذا التيار حينما كان حاكما، بزعامة مناحيم بيغين، واصل هو الآخر سياسة التمييز العنصري ضد فلسطينيي 48. ويرى هذا التيار أن إسرائيل قوية بما يكفي، وليست بحاجة للعديد من القوانين العنصرية، التي طرحت في السنوات الأخيرة، لضرب الحريات، وبضمنها حريات العمل السياسي لفلسطينيي 48.
ورأى نتنياهو بالشخصيات المركزية في هذا التيار، التي منها كان أعضاء كنيست ووزراء، تهديدا له في اتجاهين: أن بينهم من قد ينافسه على زعامة الليكود؛ وثانيا، أنهم يكبّلون يديه في العديد من القضايا التي أراد دفعها. ولهذا، عمل قبل انتخابات 2013، على تصفية هذا التيار في الحزب، ليفلت منه رؤوفين رفلين، الذي عارض نتنياهو لاحقا انتخابه رئيسا للكيان. وفي الانتخابات الأخيرة، استحضر نتنياهو، بنيامين بيغين في محاولة لمسايرة بواقي هذا التيار في الحزب.
ما يقلق هذا التيار من نهج نتنياهو، هو ضرب أسس "النظام الديمقراطي"، و"الدولة المؤسساتية"، لذا تركز خطاب رفلين في المحاولات لضرب جهاز القضاء، وبالذات صلاحية المحكمة العليا في نقض قوانين الكنيست. وانتقد السعي لضرب صلاحيات مسؤولين كبار في الجهاز، الذين يتخذون قرارات حساسة؛ مثل المستشار القضائي للحكومة، الذي هو أيضا بمثابة المدعي العام الأعلى للنيابة؛ إلى جانب سعي نتنياهو الدائم للسيطرة على وسائل الإعلام الرسمية. ويرى رفلين، كآخرين، أن هذه المؤسسات والمسؤوليات، هي مفاتيح "النظام الديمقراطي"، الذي يريد نتنياهو ضربه، في الوقت الذي تتزايد فيه شبهات الفساد ضد نتنياهو.
ويرى التيار العقائدي، أن اليمين المتطرف المنفلت، وبالذات من التيار الديني الصهيوني، الركن الأقوى في حكومات نتنياهو الثلاث الأخيرة، يضع إسرائيل على مسارات تصادم عديدة هي في غنى عنها. وبشكل خاص الصدام الداخلي بين اليهود أنفسهم. والقلق يتعاظم أكثر تجاه جمهور اليهود العلمانيين، الصامت حاليا أمام كل ما يجري، إلا أن التطورات الحاصلة ستنعكس سلبا عليه مستقبلا.
فقد فتح نتنياهو الأبواب كليا أمام سطوة التيار الديني الصهيوني الاستيطاني، على المؤسسات الرسمية، رغم أنهم يشكلون حوالي 16 % من اجمالي اليهود الإسرائيليين. وقال تقرير سابق، إن غالبية مستشاري نتنياهو الحاليين، هم إما من هذا التيار، أو من المقربين منه، فنتنياهو بحاجة لهذا التيار، لأنه الصوت السياسي الأعلى، وهذا ما يتيح له تعميق سطوته على النظام، لاستمرار بقائه في الحكم.
كذلك فإن هذا التيار الديني، يزيد من تشدده الديني أكثر من ذي قبل، ما يجعله يتلاقى في المستقبل المنظور، مع التيار الديني المتزمت "الحريديم"، الذي هو أيضا يشكل 16 % من اجمالي اليهود الإسرائيليين، وفي غضون 20 عاما، سيتحول التياران معا، إلى أغلبية مطلقة بين اليهود الإسرائيليين، ما سيزيد من محاصرة العلمانيين، الذين قد يختارون مستقبلا الهجرة إلى أوطانهم الاولى، ذات الحريات، بحسب ما توقعه بحث إسرائيلي في جامعة حيفا.
هذا لا يعني أن نهج اليمين الاستيطاني المنفلت، خارج مفاهيم الصهيونية، لا بل هو الوجه الحقيقي لجوهر الصهيونية، التي ارتكبت وما تزال ترتكب، واحدة من أبشع الجرائم ضد الانسانية التي عرفها التاريخ؛ إلا أن المعترضين عليه، يعتقدون أنه بالإمكان تحقيق النتيجة الأساس: السيطرة الكلية على فلسطين التاريخية، والقضاء على احتمال قيام كيان فلسطيني، بثمن أقل، مما قد تدفعه الصهيونية بنهج المنفلتين، ومنهم من يحذر من أن ذلك النهج قد يؤدي إلى أن تفقد الصهيونية "الدولة اليهودية" مستقبلا.
الغد 2017-10-28