حرية الإنترنت: لحظات قاسية
يزداد واقع حرية الإنترنت حرجا في أنحاء متعددة من العالم، حالة من السيولة العالية وتوظيف سياسي وتجاري صادم؛ فقد بات الإنترنت جزءا من أجندة السيطرة والهيمنة في العلاقات الدولية؛ ما قد يدخل كل ما نردده صباحا ومساء عن عالمية الإنترنت وإعادة تأسيس الشبكة على أساس حقوقي في نفق مظلم أو على أقل تقدير غامض، فيما يستمر صعود أسواق التكنولوجيا بطريقة تتحدى المجتمعات وتدخل في تحالفات سياسية غامضة وفي صراعات سياسية واقتصادية أخرى لا تقل غموضا.
هناك ملاحظات جوهرية على تعديلات قانون الجرائم الالكترونية في الأردن تتجاوز تعريف خطاب الكراهية وتصل إلى أن الأدوات التنظيمية القانونية في هذا الشأن الموجودة أصلا تحتاج مراجعات جوهرية في الأصل، ولكن علينا الاعتراف بأنّ مواجهة ظواهر مثل التنمر الاجتماعي والسياسي على الإنترنت أصبحت مطالب اجتماعية لها قاعدة اجتماعية؛ ماذا نفعل؟
ثمة بدائل عديدة لتنظيم الإعلام الرقمي، وهناك تشريعات غائبة نحن بأمس الحاجة إليها لمعالجة مشاكل وحاجات الاندماج الرقمي ومستقبل الخدمات الإعلامية وتحديدا على الهواتف المحمولة. في المقابل هناك خوف تقليدي من حرية الإعلام للأسف بات ينتقل من الدولة إلى المجتمع. وهذا مرض معروف وله أعراضه عند أولئك الذين لا ينظرون إلى الشوط بأكمله، ويكتفون بالنظر إلى جانب محدود من مشهد إصلاح الإعلام، وصل هذا الخوف إلى درجة وجود قاعدة اجتماعية في بعض المواقف تدافع عن تقييد الحريات كما يحدث مع شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية اليوم، نتيجة سلوك بعض هذه المواقع وتجاوزاتها غير المبررة مقابل ضعف القدرات التنظيمية الذاتية لدى المجتمع الإعلامي من جهة وسلوك فئات اجتماعية على شبكات الإعلام الاجتماعي.
علينا أن نتعامل مع حقيقة أننا في مرحلة تحوّل عام طويلة وصعبة؛ تشهد انتقالا سياسيا بطيئا وصعبا، ومرحلة تغير اجتماعي يشهد لحظات قاسية ومربكة. في المقابل ثمة إعلام جديد يصعد في كل أنحاء العالم وفي كل بلد يأخذ من ملامحها ويعكس تعقيدات المشهد والحياة اليومية فيها، وعلى هذا الأساس يمكن التفكير في البدائل التنظيمية التي تلبي طبيعة المراحل الانتقالية أكثر مما تشرّع لحالة قد تكون استثنائية.
الخيارات التنظيمية عديدة؛ أهمها التشدد في فكرة النموذج الاقتصادي الناجح الذي يفترض الجودة والمهنية، فقبل أن نسأل عن المواقع التي رُخّصت لدى هيئة الإعلام علينا أن نسأل عن عدد هذه المواقع التي سُجّلت في التجارة والصناعة، وعدد التي لديها رقم ضريبي. علينا أن نتذكر أن حصة الإنترنت في سوق الإعلانات التجارية التي لم تكن تساوي شيئا قبل سنوات أخذت تتنامى بسرعة فائقة، ومن المتوقع أن تحتل المكانة الأولى أو الثانية خلال السنوات الثلاث القادمة.
إن واحدا من أبرز مصادر حالة الفلتان المسيطرة، تَحوُّل شبكة الإنترنت إلى إعلام بديل نتيجة غياب المنصات والمنابر المهنية التي تكفل تدفق المعلومات بحرية ومسؤولية وتكفل وجود ساحات للنقاش العام، فيلجأ الناس الى سرقة مجال آخر للتعبير عن الآراء وتصعيد المطالب وتأسيس فضاء لأصواتهم، يحدث ذلك في الوقت الذي نشهد فيه تراجعا رسميا في جهود مكافحة التطرف، ولم نعد نسمع حتى عن الخطة الرسمية في هذا المجال وعن أدوار مؤسسات التعليم ومؤسسات التنشئة الأخرى وعن الغرس الثقافي البديل؛ فالكثير من المبررات التي يقدمها أطراف في المجتمع والبرلمان والحكومة، قد تكون مقبولة ولكن غير المقبول أن نبقى نقتل أبناءنا المرضى دون أن نمنحهم فرصة للشفاء او نوفر لهم بيئة ملائمة للتعافي.
الغد 2017-10-29