جرس الغابة
مع أول صهيل للمطر تندلق عشرات المدافئ الحطبية من فم متجر لا يكتفي بالإعتداء على الرصيف ببضائعه ومعروضاته، بل يأكل ثلثي الشارع الرئيس، تاركاً بقيته لسيارة عاكست السير، فأعاقت مرور الناس، وجمّدت حركتنا، في واحدة من مدننا الشمالية.
صديقٌ شاءت الصدفة أن يشاركني إنجمادنا المروري، طالبني ألا أكتب عن هذه المدافئ، فالناس تريد أن تتدفأ بأي شيء، بعد أن ضرب الطفر أطنابه، وتحرر سعر الكاز، فلا تلومهم إن إجتثوا غابة أو غابتين، فالبرد كافر ابن كافر.
بعض هذه المدافئ ستوقد بالجفت (المخلفات الجافة لعصر الزيتون)، والذي يباع بأكثر من ستين ديناراً للطن الواحد. لكن كثيراً من مدافئ الفقراء، ستعمل على أي شيء متاح، من بلاستيك، وملابس مهترئة، وأحذية محالة للتقاعد، وكاوتشوك، وغيرها مما تطوله اليد.
لم يثرني العدد الكبير للمدافئ الحطبية المعروضة للبيع بمتاجر القرى، والتحضير الكبير لشتاء على الأبواب، بل ابكتني أكوام حطب السنديان والملول والقيقب والزيتون الرومي، التي تباع في متاجر عمان. إنها غاباتنا المقطوعة والمنهوبة، والمعتدى عليها، أيها السادة، غاباتنا إذ تتحول إلى حطب منضد بطريقة جميلة، لتكون نارا لمواقد و(فير بليس) البيوت الفارهة. فأي ظلم هذا؟!.
غاباتنا في خطر داهم. فعشرات الآلاف من الأشجار إلتهمتها حرائق مفتعلة في الأعوم السابقة في عجلون وجرش والسلط. وللعلم فالفقير لا يعتدي على الغابة ولا يسرقها وإذا أراد أن يوقد فإنه يجمع الحطب الجاف، بل من يعتدي على الغابة هم التجار، الذين باتوا يعمدون إلى حرق الغابات، ليتاح لهم التحطيب بشكل رسمي.
ودائماً ما خفي أعظم. فهؤلاء التجار أصبحوا عصابات ومافيات تحطيب معروفة بالأسماء لدى الجهات الرسمية، عصابات تمتلك مناشير مجنزرة خرساء، وإمكانات لوجستية كبيرة، وهي التي توصل الحطب لمواقد عمان الفارهة!. ياللعجب.
قوانين حماية الأشجار لا تردع معتدي الغابات، ولا تضرب على يدهم، والوضع ينبئ بكارثة، ستقضي على أخضرنا. فالقوانين لا تحمي الغابات، رغم أن قانون عام 1922 كان صارما، إلا أن القوانين التي تلته ظلت هزيلة غير مفعلة، بدليل أن ما من مجرم حطب ارتدع. فمن أمن العقاب أساء الأدب. بإستثناء تنفيذ حكم بالسجن ستة أشهر على معتد قبل أسبوعين، وهذا بجهد حثيث لوزير الزراعة يشكر عليه، ويعول على تمتينه والبناء عليه في قابل الأيام.
نتمنى إيجاد آلية لدعم فقراء القرى المتاخمة للغابات، وإتاحة فرصة التحطيب المنظم لهم، بإشراف مديرية الحراج، وأطالب بدعم الجيش الأخضر(التسمية التي أحب أن أطلقها على طوافي الحراج وحراس الغابات) وعدم سحب السيارات القليلة التي بحوزتهم. وأطالب بإيقاف تجار الحطب، ومعاقبتهم العقوبة الرادعة، وإيجاد محكمة تختص بجرائم الحراج.
بحنجرة من لهب، أرفع صوتي قارعاً جرس الغابة، علنا نحمي ما بقي منها. وارجو ألا يسهم كبارنا بمواقدهم الفاخرة، في إلتهام خضارنا، وشفط أكسجيننا المتبقي.
الدستور 2017-10-29