الوجوه الأخرى لتفجير خان يونس
يمكن الاستنتاج أنّ حادث تفجير النفق تحت حدود غزة مع الأراضي المحتلة العام 1948، في شرق منطقة خان يونس، يوم الاثنين الفائت، لم يكن مرتبطاً بمخطط إسرائيلي يتعلق بالمصالحة الفلسطينية، بل سياسة مستمرة ضد المقاومة، ولكن مبادرة "الجهاد الإسلامي" للنفق، تفتح ملف: من يملك قرار الحرب؟ ولماذا يقدم فلسطينيو الداخل خصوصاً كل التضحيات؟ ولماذا لا يوجد وسائل عمل رادعة للإسرائيليين، بحجة المصالحة. والإجابة أنّ هناك غيابا للتفكير الاستراتيجي فلسطينياً.
قرار الحرب: بحسب تصريحات القيادي في الجهاد الإسلامي خالد البطش، كان النفق (الذي يعتقد أنّه الأول من نوعه وتمتلكه الجهاد الإسلامي) تمهيداً لعملية لتحرير الأسرى (في إشارة إلى التفكير بعملية خطف جنود)، ووعد البطش بنفق آخر. وهنا يُطرح أكثر من سؤال أولها، إذا كانت "حماس" و"فتح" قد اتفقتا فعلاً، نظريّاً على الأقل، ألا يقوم أحدهما (المقصود طبعاً حماس)، بقرار أو عمل يؤدي إلى حرب، دون اتفاق وطني، مقابل طلب ألا ينفرد أحد بقرارات السلم، فإنّ ما لم يجر وضعه في الحسبان، أنّ فصيلا صغيرا، وحتى أفرادا، قد "يفجّرون" الوضع وكل المخططات. والحل طرح برنامج عمل وطني يُجمع عليه الجميع، ويصبح الخروج عنه خروجا عن الصف الوطني، ولينجح هذا يجب أن يكون الجميع شركاء.
لماذا فلسطينيو الداخل: ما هو غير مفهوم من تصريحات البطش، وكثير من القيادات، التي لا شك في إخلاصها وصدقها، دون أن يعني هذا أن كل ما يقولونه حكيم وصائب، لماذا يجب خوض المعركة في الساحة التي يحقق الإسرائيليون فيها التفوق الهائل؟ ومن الذي وكّل هذه القيادات، أن تضع ملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، وبغياب إجماع الفصائل الكبرى، في مهب مواجهة دموية، تؤدي لمقتل الآلاف؟ ولماذا لا توجد آليات عمل وأدوات أخرى، واستنهاض لكل الطاقات والوسائل الفلسطينية؟ وعلى سبيل المثال كانت القيادات العسكرية وغالبية التخطيط، في الخارج حتى ثمانينيات القرن الفائت، وذلك في فهم لصعوبة تكوين عمل نظامي وحتى ثوري عنيف متكامل من الداخل. طبعاً هذا لا يعني أنّه لم تقع أخطاء عدّة حينها. وللأسف يجب الانتباه أن العمل العسكري المحدود (بعدد من يشاركون فيه) هو بديل أحياناً عن العجز في العمل الجماهيري الذي يعبّئ شرائح واسعة شعبيّاً.
المصالحة لا تكفي: كانت الأولوية التي برزت من تصريحات قادة حركتي "حماس" و"فتح" على السواء، بعد العملية الإسرائيلية، وكذلك الموقف المصري، بل والإسرائيلي، هو ألا ترد "الجهاد" على القصف، فيحدث مواجهة على غرار تلك التي حدثت العام 2014، بعد قتل الإسرائيليين لسبعة عناصر من حركة "حماس" أثناء قصف نفق للحركة، ما أدى للحرب غير المتكافئة التي اشتعلت 51 يوماً. ولكن السؤال الذي لم يُجب عنه أحد، أنّه حتى لو تم الامتناع عن الذهاب للمواجهة المفتوحة في سبيل المصالحة (على مذبحها)، فمن وكيف سيتم ردع وحساب الإسرائيليين؟ هذا ما تريده القيادة الإسرائيلية: القيام بضرباتها دون رد، بحجة الوحدة الوطنية وعدم الانجرار للمواجهة.
الحل: ما يحتاج إليه الفلسطينيون، وخصوصاً قيادات قطاع غزة الذي قدّم نيابة عن الشعب الفلسطيني، في السنوات الفائتة، الكثير جداً من المعاناة والتضحيات، منها ما هو مبرر ومنها ما ليس كذلك، أن يفكروا بما يلي، أولا، لا يحق لقيادات "فتح" و"حماس" منفردة أنّ تقرر وجهة الشعب الفلسطيني، ولا بد من حوار وطني عام. كما لا يحق لفصيل أو مجموعة أن تقوم بما يجعل ملايين الفلسطينيين عرضة لموقف لم يشاركوا فيه ولم يتفقوا عليه. وثانياً، أنّ الأدوات التي استخدمت في مرحلة ما، بنجاح أو بدون نجاح، لا يجدر أن تتحول لشيء مقدّس دائم، فلكل مرحلة أدواتها. ثالثا، لا بد من تصور استراتيجي يتفَق عليه وطنياً عبر مجلس وطني جامع ممثِل، ليكون فيه قواعد عمل أساسية يلتزم بها الغالبية، ويحق لمن شاء معارضتها وإبداء رأي آخر فيها، ولكن لا يحق له الخروج عنها بفعلٍ ما، وليتم توزيع العبء واستنهاض الطاقات لكل الفئات والمناطق، كل بحسب ما يتطلب ويسمح وضعها.
الغد 2017-11-02