مواجهة فلسطينية اسطورية عمرها 100 عام
قبل 100 سنة من اليوم، كان وعد بلفور، الذي وفر غطاء قانونيا ودعما سياسيا ودبلوماسيا وميدانيا لانشاء اسرائيل فأدّى انشاؤها الى تشريد شعب فلسطين العربي والى استنزاف الثروات العربية وتجريفها فتوجهت مئات مليارات الدولارات الى التسليح ومتطلبات الامن لتحرير فلسطين والقاء اليهود في البحر.
لقد ضرب انشاء إسرائيل، النمو الاجتماعي والثقافي والسياسي الطبيعي للمجتمعات العربية وشوهها. فتم اعلاء الامن على الديمقراطية. وارتفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» و«حنحارب» الذي ارتكبت باسمه الفظائع ضد احرار الامة وتفشى تحت غطائه البراق الاستبداد والفساد. (طالعوا رجاءً رواية الاقدام العارية للطاهر عبد الحكيم).
منذ 100 سنة والقوة الإسرائيلية الخارقة تضرب في صدر شعب فلسطين العاري دون هوادة ودون جدوى أيضا. فلم يلق هذا الشعب الجبار السلاح وظل يعتني باعداد وترتيب كواكب الشهداء دون تعب او توقف. رغم هذا الاختلال السافر في موازين القوى.
ان استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني لهذه الغزوة الصهيونية على امتداد 100 سنة من الدماء والالام والتضحيات والمعتقلات، تبرهن على ان لا وطنا بديلا للفلسطينيين عن فلسطين.
لقد انتزع الهاشميون الاردن من وعد بلفور، لكن الأردن لم يخرج من العقيدة التوسعية الصهيونية فما يزال يصدح النشيد الذي وضعه زئيف جابوتنسكي أبو الإرهاب الصهيوني الذي يقول: لنهر الأردن ضفتان هذه لنا وتلك أيضا. فالأردن في حساباتهم ليس دولة مستقلة بل هو «ما وراء نهر الأردن» وهو جزء من ارض إسرائيل الكبرى التي يحكمها أعداء إسرائيل!
فهاهو الإرهابي مناحم بيغن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق يقول: «شرقي نهر الأردن اراض يحتلها العدو» وهاهو خليفته الصهيوني «الداد» الذي يمثل العقيدة الصهيونية يعلن في الكنيست: «إن الأردن هي فلسطين، وفلسطين هي الأردن، وكل من يقول غير ذلك فهو خائن».
الموضوع ليس موضوع عقدة ولوثة وجبروت وقوة، بل هو موضوع عقيدة. العقدة ليست في الإرهابيين نتنياهو وبيغن وشامير ودايان وشارون وغولدا مائير وبن غوريون وجابوتنسكي. العقدة في العقيدة الصهيونية التي تتناقض مع السلام كليا وتتضاد معه. فلا صهيونية بدون استيطان. ولا استيطان بدون توسع، لا توسع بلا هجرة يهودية. لا هجرة يهودية بلا ترانسفير فلسطيني. ولا ترانسفير بلا مذابح. ولا مذابح بلا حروب.
الصهيونية تتناوب عليها جدلية التوسع والاستيطان والسلام نقيض الصهيونية. الصهيونية لا تستطيع ان تقتل نفسها فتمضي نحو سلام قابل للحياة والاستمرار. الصهيونية هي الحروب التي لا تنتهي.
والاستيطان في القدس وغربي نهر الأردن وشرقيه، أي في «ارض الميعاد»، بند اول راسخ في العقيدة الصهيونية. وفي عقيدتهم ان الأرض ليست قابلة للحركة وان الشعب هو القابل للطرد والترانسفير والاقتلاع.
إن كفاح شعب فلسطين وصموده وانتصاره لاحقا، هو شأن كفاحي داخلي اردني. فكل مقاومة فلسطينية للتوسعية الصهيونية هي في جوهرها دفاع عن الأردن. وكل شهيد فلسطيني يرتقي في مواجهة التوسعية الصهيونية هو شهيد اردني. وكل إعاقة فلسطينية ومنع ووقف تقدم هذا المشروع التوسعي صوب الشرق، أي صوبنا، هي جهد فلسطيني يصب في منعتنا وامننا الوطني.
ان مرور 100 سنة على وعد بلفور، تعني مرور 100 عام على مواجهته الفلسطينية الأسطورية.
الدستور 2017-11-02