وعد بلفور لم يكتمل!
بحلول الذكرى المئوية لوعد بلفور تشعر بريطانيا بعبء التاريخ يثقل كاهلها. لكنها وعلى الرغم من حملة الغضب والازدراء التي تواجهها في العالم العربي، ما تزال "فخورة" بدورها في قيام دولة إسرائيل.
في مقال نشره بصحيفة الديلي تلغراف حاول وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون استدراك الموقف بأثر رجعي والتخفيف من حدة الانتقادات لدور بلاده في تشريد الفلسطينيين واغتصاب أرضهم، بالقول إن وعد بلفور لم يكتمل ولا بد أن يكتمل بقيام دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ومعالجة قضايا القدس واللاجئين والحدود وفق قرارات مجلس الأمن.
يستند جونسون إلى ما يسميه تحفظ جوهري على الوعد لليهود ورد نصا في رسالة الوزير بلفور إلى اللورد روتشيلد يقول فيه على أنه "لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية الموجودة" في فلسطين.
هذا الشق من وعد بلفور لم يتحقق من وجهة نظر الوزير جونسون، مذكرا بتقرير للورد بيل قدمه إلى اللجنة الملكية لفلسطين عام 1937 ويتضمن رؤية دولتين لشعبين في فلسطين باعتبارها الأساس لحل دائم وعادل.
العبارة الواردة في وعد بلفور هى أضعف وأسوأ نص قانوني يمكن الاستناد إليه لتبرير ذلك الخطأ التاريخي أو إنصاف الشعب الفلسطيني مستقبلا.
لقد وصفت رسالة بلفور اليهود بالشعب وفلسطين بالوطن القومي لليهود، بينما أطلقت على الشعب الفلسطيني الذي كان تعداده في ذلك الوقت يزيد على 600 ألف إنسان مقابل 85 ألف يهودي بأنهم مجرد طوائف "غير يهودية"، أي أن بلفور لم يعترف بالفلسطينيين كشعب يملك حقا تاريخيا في أرض أجداده، مقابل ذلك منح مهاجرين من كل أصقاع الأرض صفة الشعب الذي يستحق دولة في "الوطن اليهودي".
في الواقع كان الفلسطينيون شعبا -وما يزالون- مكتمل الأركان، فيما اليهود مجرد طائفة يعيش بضعة آلاف منهم في فلسطين ومثلهم في دول عربية كمواطنين بحقوق متساوية مع غيرهم. حضور اليهود في المنطقة العربية لم يزد عن ذلك أبدا.
يمكننا أن نقبل كلام جونسون في النصف الثاني من المقال والذي أكد فيه على حق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة على أرضه، وإشارته لقرارات الشرعية الدولية كمرجع قانوني لهذا الحق. لكن النصف الأول من المقال كان مجرد ترهات لتبرير جريمة بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني.
عندما منحت بريطانيا اليهود حق تأسيس وطن قومي كانت فلسطين تحت سلطة الانتداب البريطاني. وكان بمقدورها وفق ذلك أن تتصرف بها كجزء من ممتلكاتها الاستعمارية، وقد تصرفت بهذا الشكل المشين فعلا. لكن بعد مئة عام تغير كل شيء تماما. بريطانيا لم تعد إمبراطورية؛ فهي لا تستطيع اليوم أن تمنح الفلسطينيين وعدا بدولة كما منحت اليهود من قبل.
بمعنى آخر، مراجعات الوزير جونسون للتاريخ مجرد حبر على ورق، أما وعد بلفور فهو الحقيقة الوحيدة الماثلة بكل ويلاتها.
الغد 2017-11-04