احترق كي يضيء الأرض! 2-3
-1-
حسب تعبير الخبير الصهيوني في شؤون الجماعات المسلحة د.»بوعاز غانور»، الرئيس التنفيذي لمعهد مكافحة الإرهاب في مركز الدراسات متعددة الاختصاصات بهرتسليا، فقد كانت ثورات الربيع العربي بمثابة «تغيرات كونية» رغم أنها وقعت في العالم العربي، ذلك أن تأثيرها امتد إلى معظم أجزاء الكرة الأرضية، ولسنا هنا في معرض رصد تلك التأثيرات في كل البلاد العربية والأجنبية، فهذا مقامه دراسة معمقة وتوثيقية مفصلة، ولكنها حسب ما يقول غانور، شكلت تحديا أمنيا رئيسيا لإسرائيل وغيرها من الدول الغربية الحليفة!
ويكفي هنا أن نتذكر أن الشباب في الولايات المتحدة اقاموا «ميدان تحريرهم» على غرار ميدان التحرير في قلب القاهرة، واشتعلت شوارع تل أبيب بمظاهرات مستلهمة ثورات الربيع، مطالبة بالعدالة الاجتماعية، وامتد تأثير الثورات إلى إسبانيا والصين وبعض البلاد الأوروبية، وما زلنا نذكر مقولة الرئيس الأمريكي السابق أوباما حين قال: «يـجب أن نربي أبـناءنا ليصبحوا كشباب مصر»!
ليس هذا فحسب، بل امتد تأثيرها لهدم بعض المفاهيم والنظريات المستقرة في الدراسات الجيوسياسية والاجتماعية، فقد بات الدارسون يبحثون بالظاهرة الثورية باعتبارها إحدى الظواهر الأكثر تفردا في القرن الحادي والعشرين!
ومع كل هذا، ثمة من اعتبر الثورات نوعا من المؤامرة على العرب، وأن محركها كان برنار ليفي الذي ظهر في مشهد جميع الثورات، وحين لا بد من إيضاح مسألة في غاية الأهمية، وهي أن حدثا مزلزلا كثورات عربية أزالت أنظمة، وهددت قوى عظمى، وغيرت استراتيجيات، لا يمكن أن تحدث دون أن تدخلها أصابع العبث والتوجيه وربما الدعم، فحكام العالم وقواه العظمى، لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام حدث ضخم كهذا، هم لم يصنعوا الثورات قطعا، ولم يحركوا الجماهير، لكنهم استثمروها على الفور، تحسبا لاستحقاقاتها، ولكن حينما سنحت الفرصة لإجهاضها، وخروج رؤوس الثورة المضادة من الجحور، لم يبخلوا بكل دعم ممكن، بل تبنوا الأنظمة البديلة، حتى ولو كانت صورتها مضادة لكل القيم التي طالما دافعوا عنها، فعند المصالح لا تبقى مبادىء ولا حريات ولا ديمقراطية!
-2-
بوسع المحلل السطحي، والدهماء أن يقولوا بمنتهى الأريحية، أن الثورات فشلت في تحقيق أهدافها، فقد كانت ثورة سوريا المحطة الأكثر دموية في المشهد، وساهم جميع المتضررين في جعلها «عبرة لكل من أمل في التغيير، وربما يكون هذا الأمر يحمل شيئا من الحقيقة، لكن ليس كل الحقيقة، فالثورات أنتجت ضدها، وكي يحافظ هذا الضد على «انتصاره» ارتكب من الحماقات ما ساهم في تعميق الثورة، ليس في سطح المشهد، بل في عمقه، وقليل من الباحثين ذوي الرؤية من يستطيعون سبر أغوار المشهد، واستبطان حقيقته، وسنحاول في مقال الغد إن شاء الله وضع استخلاصاتنا ورؤيتنا الاستشرافية، بهذا الشأن، ذلك أن كل ما يحدث من زلازل وتغييرات دراماتيكية في بلادنا العربية تحديدا، وبعض بؤر الصراع في العالم، له علاقة مباشرة بتأثيرات الثورات، والحركات الارتدادية للزلزال الذي أحدثته، ويكفي هنا أن نتذكر كيف استلهم شعوب دول الطوق العربية ثورات الربيع، فقرروا الزحف إلى فلسطين عبر خطوط الهدنة التي تحيط بكيان العدو الصهيوني، ولو قيض لهذا الزحف أن يتم، لو استمر زخمه، لتغير شكل الصراع مع العدو الصهيوني، ولتغير شكل الوطن العربي أيضا، الغارق اليوم في فعاليات الثورة المضادة، وهيمنتها على صنع القرار!
الدستور 2017-11-07