«كاك مسعود»... إن حكى
خرج رئيس اقليم كردستان العراق»السابق» مسعود بارازاني عن صمته ومقاطعته وسائل الاعلام (ان صح التعبير), ليمنَح المقابلة «الاولى» بعد خروجه من منصب الرئاسة الى الاذاعة الاميركية الرسمية والاكثر متابعة من الجمهور الاميركي «NPR» اطلق خلالها سلسلة من المواقف التي تؤشر الى مرارة وغضب دفينين, لم يستطع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني اخفاءهما وبخاصة في التهديد ان «اربيل ستُراجِع علاقاتها مع الولايات المتحدة, إثر دعمها بغداد ضد الاقليم»، فيما رأى كاك مسعود الموقف الروسي اكثر ايجابية بعد الاستفتاء, ما قد يعكس توجُّهاً جديداً لدى الحزب, الذي ما يزال يتوفر على نفوذ وقرار في الاقليم وإن بدا انه تراجَع او ضعُفَ او تم تحميله هو وبارازاني نفسه, مسؤولية ما آلت إليه الاوضاع في اقليم كردستان.., وتواصُل التداعيات السلبية على اكثر من صعيد, والتي يتأثر بها البسطاء الكرد اكثر من اي شريحة اخرى في الاقليم, الذي «تبخّرت» انجازاته وأُعيد (بشكل او آخر) الى الاوضاع التي كانت سائدة قبل العام 2003, وهو العام الذي شهِد «فورة» او قفزة في مكانة ونفوذ ودور كرد العراق, بوصول من «ظنوا» ذات عقود وسنين طوال انهم حلفاؤهم وانهم (الاميركيون) بعد ان باتوا اصحاب «القرار» في بلاد الرافدين, سيَفون بوعودهم ولن يتردّدوا في دعم «حلم» الكرد بانشاء دولتهم المستقلة في «كردستان الشمالية», تمهيدا او وصولا الى رسم الخرائط الإقليمية الجديدة, التي ستقلِب صفحات خرائط سايكس – بيكو, ولكن هذه المرة من منظور طائفي ومذهبي, بقيام دول ذات هويات طائفية ومذهبية.
خُذِلَ الكرد ولم يتعظوا بل هم عاشوا في حال انكار لمقولتهم الشهيرة التي سبقت تكرار بارازاني لها في خطاب «استقالته» الذي غلّفه بالقول» انه لن يُمدّد ولايته، مقولة: ان «الجبال» هي الحليف الوحيد للكرد.(كما هي عبارة «يا وحدنا» في المظلومية الفلسطينية).
الرئيس السابق في مقابلته مع الاذاعة الاميركية، ابدى «تمسّكه» بالاستفتاء قائلاً في ما يشبه المكابرة انه لا يندم على الاستفتاء بالرغم من العواقب (والعبارة الاخيرة له).. ما يعني انه لم يستخلص الدروس والعِبر وان كان حُمّل مسؤولية ما حدث وبخاصة بعد الخذلان الاميركي الى واشنطن وخصوصا بغداد ورئيس حكومتها حيدر العبادي عندما كشف في المقابلة اياها انه كان «يتوقع» بعد اجراء الاستفتاء ان يتم «اغلاق الحدود واتخاذ اجراءات اقتصادية ضد الاقليم ولكن – يستطرد كاك مسعود – لم نكن ننتظر هجوما عسكريا من العراق علينا..
هي إذاً توقعات غير دقيقة وقراءة قاصرة على فهم ابعاد النتائج والتداعيات التي كانت ستترتّب على مضي الاستفتاء الى نهاية السيناريوهات التي كانت القيادة الكردية، قد قرّرتها منذ ان اصرت على المضي قدما في مغامرة الاستفتاء حتى النهاية. واللافت هنا هو ان الرئيس بارازاني لم يحمل اردوغان حليفه المقرّب و«طاغيه»الاول اردوغان مسؤولية تنظيم الحملة الاقليمية العراقية الايرانية التركية القاسية التي هددت بـ«شَلّ» الاقليم ومعاقبته وكان واضحا ان رهان الرئاسة الكردية على ان عملا عسكريا لن يتم وان الحصار اذا ما فرض فانه لا بد ان يبدأ بالتفكك عندما تدخل ادارة ترمب وتضغط وتهدد، كما توقع او ربما كما وصلته تعهدات خادعة كالعادة ظن انها تتوفر على صدقية والتزام دون اعتبار بما فعله المستعمِرون الغربِيون وبخاصة الاميركيون, في وأد «الحلم» الكردي الطويل.
الازمة بين بغداد واربيل غير مرشحة للحل في المدى المنظور بعد اصرار رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي على الغاء نتائج الاستفتاء, لبدء اي حوار «سياسي» بينهما, فضلا عن انهيار «المباحثات» بشأن تسليم المعابر الحدودية, برغم الإستعداد الذي ابداه رئيس حكومة الإقليم نيجرفان بارازاني بتسليم الحقول النفطية وعائداتها والمطارات والمعابر الحدودية, مقابل تحويل بغداد نسبة 17% من موازنتها لخزينة الاقليم, رغم اعتراض الكرد على قانون الموازنة لعام 2018، كونهم لم يُسهِموا في مناقشتها وجرى تمريرها بدون مشاركتهم.
موقف العبادي يزداد قوة و«الاوراق» التي بدأ بمراكمتها تمنحه الامكانية لتعزيز وضعه السياسي ومكانته في المشهد العراقي, على ابواب الانتخابات البرلمانية التي لم تتبلور خرائطها وتحالفاتها بعد، رغم انه تم تنظيف العراق من داعش, بتحرير آخر معاقلهم في مدينة القائم الحدودية وقيامه برفع (العبادي) العلم العراقي على ساريتها.
يبقى ان مطالب الكرد من بغداد بعدم التعامل مع كردستان من «موقع القوة» واصرارهم على ان الخلافات بين الاقليم وحكومة المركز «لن تُحلّ بالخيار العسكري» واستعدادهم للحوار على قاعدة الالتزام بـ«الدستور»، تبدو في المحصلة مثابة تراجُع وانعدام خياراتهم, كونها كانت مُتاحة قبل اجراء الاستفتاء, لكنها اليوم باتت «ساحة وسوقاً» في بازار المزايدات السياسية, وبخاصة ان الكرد لم يتردّدوا في اتهام بغداد بالعمل «على تجريد الاقليم من كيانه الدستوري والقانوني، ومِن سلطاته عبر التعامل معه مثل بقية المحافظات» ما قد يؤشِّر الى ان الازمة متدحرِجة ومرشحة لمزيد من الضغوط والمناورات.. والعِناد.
الراي 2017-11-08