الأفكار والموارد: من الاعتماد المتبادل إلى الاندماج
هل تتشكل اليوم في صعود الشبكية أو الثورة الصناعية الرابعة معانٍ وعلاقات جديدة للموارد والثقافة والأفكار؟ هل تواصل العلاقة بينهما في وضعها الأصلي أو المختل الاعتماد المتبادل؟ يبدو أنهما (الموارد والأفكار) يندمجان لدرجة لم يعد ممكنا التمييز بينهما أو وصف العلاقة المنشئة للأفكار أو الموارد.
فالسلع نفسها اليوم المستخدمة في العمل والحياة والموارد هي أفكار، وصارت موارد الأمم والأفراد مستمدة من الوقت والتركيز والخيال والإلهام والإبداع، وصارت تتقدم بقدر ما تملك من حرية وخيال، والحال أننا في هذه المرحلة الانتقالية نبحث في الخوف والظلام عن مكاننا ومصيرنا ومستقبل أعمالنا ومؤسساتنا، ولسنا متأكدين بعد إن كنا مثل كوكب تائه في الكون لا يدرك مساره أو لا يعلم إن كان في مدار صحيح متوازن أم يهوي في مجال آخر قد يلتهمه أو يفنيه.
الفنون في كثير مما تقدمه والسلوك الإنساني المزهو بأضواء الفن والإعلام الجديد يعكس الخوف والاستسلام أكثر مما يفترض من الشغف والثقة والحياة المشتركة، وهذا التدفق الهائل للصور والأصوات والنصوص في استهدافه الخارج أكثر مما هو إصغاء للداخل يغطي الأسرار والاكاذيب والمخاوف، مثل مجاميع من الناس تمضي إلى نهايتها أو تنتظرها على نحو ما فتهرب من ذلك بتجاهل الواقع بدلا من مواجهته أو فهمه أو الاقتراب منه، وفي ذلك تتورم الذات حتى تفلت من الجاذبية. يتحول كثير من الناس والمجتمعات والمؤسسات والأعمال إلى مناطيد هشة زاهية؛ تطير في الفضاء بلا هدف ولا مسار، ليس سوى الاستسلام أو الانتحار البديع!
وفي المقابل فإن ما يجب ويمكن عمله هو تحصيل الأفكار الجديدة المتصلة بالموارد والأعمال، ما المعرفة والأفكار والصراعات المفترضة حول الموارد الشبكية بما هي الخيال والإبداع؟ تبدأ المعرفة بالتشكل عند إدراك عدم المعرفة. وعلى نحو ما هذا هو التمرد. وهذه هي أزمة الأوليغاركيا اليوم مع المعرفة والهيمنة. كيف وماذا تقدم وتتيح من المعرفة مع مواصلة الهيمنة؟ كيف وماذا تمنع من المعرفة؟ وهذا يفسر أيضا الفتاوى وقوانين النشر والاستيراد والتصدير والعمل والتمويل والتجارة والصناعة، فالسياسة والقوانين تصمم على النحو الذي يمنع الناس من المعرفة إلا بقدر ما تحتاج الأوليغاركيا أن يعرفوا. تحريم أو منع أو تجاهل تعلم الفلسفة وتعليمها مثلا، أو إهمال الفنون والإبداع والتفكير النقدي وحظر الطابعات ثلاثية الابعاد والطائرات بدون طيار، وحرمان المواطنين والمجتمعات من فرص ومنافع الشبكية.
تمضي نتيجة الصراع وسياساته إلى تقسيم اجتماعي واقتصادي جديد يقوم على تقديم المعرفة والفرص الجديدة إلى فئة وحرمان فئة أخرى منها، أو توجيه الفئة الأخرى وهي الأغلبية المهمشة إلى أعمال ومجالات هامشية أو صارت هامشية! وفي ذلك تتسارع المدارس والجامعات والمهن السائدة والمناهج التعليمية والمحتويات الثقافية والإعلامية إلى الهاوية والفناء، سوف تبذل الأوليغاركيا جهدها في حصر التعليم الحقيقي في أقلية من الناس، وأما ما يعلّمه الناس لأنفسهم من الموارد الشبكية المتاحة فإنه سيكون غير معترف به حتى وإن امتلك المهمشون معارف ومهارات تفوق ما تقدمه المدارس والجامعات الأنيقة المكلفة.
وفي كون معظم الثروة اليوم تقع بعيدا عن الإنتاج الأساسي؛ وتحتكرها الأوليغاركيا بطبيعة الحال؛ صار المواطنون والمنتجون فقراء، وتحول الغرباء إلى قوة اقتصادية وسياسية مؤثرة ومهيمنة، والحال أن التسول هو اليوم ما يختزل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فليس لدى المنتجين والمواطنين والمثقفين سوى التسول أو تسلية وخدمة طبقات اقتصادية اجتماعية كانت على مدى التاريخ خارج المجتمعات والمواطنة. هكذا فإن العدل يأخذ معنى الاعتراف، ويتجه الصراع أيضا بالنسبة للمهمشين أن يعترف بهم مواطنين كما كانوا على مدى التاريخ والجغرافيا، أو أن يعود الناس هم أهل وأصحاب بلادهم بمعنى ملكيتها وتنظيمها، نتحدث عن العودة إلى المدينة أو استعادتها.
الغد 2017-11-08