القدس تهزم من يستهدفونها
على كل المستويات الشعبية والحكومية الاعلامية والدبلوماسية، كانت ردود الفعل الاردنية مذهلة في حجمها وسرعتها وانضباطها ومضمونها الوطني والقومي والديني الإسلامي المسيحي.
لقد شعرت بالاعتزاز والفخر وانا اتابع حركة ملكي من اجل نصرة القدس، المكانة والعقيدة ودرة الازمنة والامكنة، التي تستحق الافتداء والشهداء.
وقد توحد الاردن سبيكة من الفولاذ المسقي خلف الملك عبدالله الثاني. و افرحني الانسجام الكامل بين الحكومة التي سجل إعلامها ارتقاءا شاهقا فاستحوذ على المشاهد الاردني والفلسطيني والعربي. وسجلت دبلوماسيتها، بتوجيهات الملك ثانية بثانية، قدرة فائقة على الحركة المثمرة. كما سجل مجلس الأمة بغرفتيه، صعودا بارزا في تمثيله لمشاعر شعبنا واشواقه. وسجلت النقابات ومنظمات المجتمع المدني والجامعات والقطاعات الشبابية والصناعية والتجارية والزراعية والجمعيات الخيرية، انسجاما كاملا في متطلبات الرد على قراري ترامب العدوانيين ضد قدسنا وحقوق شعبنا العربي الفلسطيني البطل.
وسجل الأمن العام والمخابرات العامة والدرك والدفاع الاسعافي المدني تماشيا كاملا ورفقا وطنيا حميميا في حماية أمن المسيرات وسلامة إخوانهم وأبنائهم المحتجين، الذين لولا واجبهم الميداني المقدس، لذابوا في صفوف أبناء شعبهم ولهتفوا ملء حناجرهم، تعبيرا عما في ضمائرهم من حب للقدس وفلسطين ورفض لما يمسهما.
لا مثيل للرشد والوطنية والغيرة التي في وجدان هذا الشعب العربي الأردني العظيم. فكلما دهمتنا مصيبة وبرز لنا تحد، مثل هذا الذي نواجهه اليوم، انصهر الشعب تحت عنوان وشعار وهدف واحد، خلف قيادته الهاشمية العربية الحرة الراشدة التي تمثله أعمق وأوسع تمثيل. ومن هنا كان هذا الرضى الشعبي الكامل الذي يحوزه نظامنا الهاشمي الحبيب، علاوة على الثقة والمصداقية التي نالها الملك عن جدارة في العالم كله.
ان اعتزازنا لا محدود بجهود الملك وحنكته وشكيمته وجهده من اجل القدس وحقوق شعب فلسطين ومن اجل الاستقرار والامن والسلام في الإقليم.
وان قراري ترامب يؤثران على الامن الوطني الاردني وعلى الأمن القومي بكل تأكيد وستكون تكلفة القرارين على الدول العربية عميقة وغائرة وممتدة. علاوة على ضرورة إدراك أن الادارة الاميركية الحالية لا ولن تساند حلفاءها مما يستدعي من دول الخليج العربي الحذر الشديد.
واعتقد اننا نشهد بداية تصدع مكانة اميركا. وسيكون هذان القراران بداية رفض قبولها وبداية تضعضع نفوذها. فشعوب المنطقة المبتلاة بالاحتلال الإسرائيلي التوسعي، لم تعد تقبل السلام بيد والطعن باليد الأخرى.
وان قراري ترامب لا يفعلان سوى اضعاف تيار السلام وضربه ودعم تيار الحرب والكفاح المسلح والعمليات الانتحارية والمقاومة المشروعة، علاوة على تيار التطرف والإرهاب والدم.
لم يستمع هذا الرجل، الذي لا يعرف من المنطقة شيئا، لأحد، سوى الى الحلقة الحديدية من المستشارين الصهاينة الذين يحيطون به.
لم يستمع حتى لوزارة الخارجية الأمريكية ولا إلى المخابرات المركزية الأمريكية ولا إلى أصوات أكثر من نصف الجالية اليهودية في بلاده ولم يستمع للملك عبدالله ولم يستمع للبابا ولا لحلفائه الأوروبيين.
لقد استمعنا إلى كلمات الدول في الجلسة الطارئة لمجلس الامن بشأن القدس وكانت عظيمة حاسمة واضحة ويمكن القول ان المجتمع الدولي ينهض بمسؤولياته بأمانة وانصاف وخاصة كلمات مندوبي السويد وبريطانيا وفرنسا التي أكدت على خطورة قراري ترامب على الامن والاستقرار واشادت بالاردن كحام للأماكن المقدسة.
ستهزم القدس كما هزمت على مدى القرون كل من استهدف مكانتها وكينونتها. لقد استبيحت القدس وتحررت 44 مرة تعبيرا عن ضراوة الصراع عليها.
ستهزم القدس قرارات ترامب كما هزم المقادسة والفلسطينيون غطرسة نتنياهو في معركة البوابات والممرات والكاميرات مؤخرا.
ستتراجع الإدارة الأمريكية عما قارفته من طيش ورعونة وتعجل.
الدستور 2017-12-09