يوم العربية
إذا كنت لا أخاف على لغتنا العربية من الاندثار أو الانقراض، كما تندثر كثير من اللغات في عالم اليوم، فهناك لغة واحدة تنقرض كل يوم حسب إحصائيات منظمة اليونسكو العالمية. إذا كنت لا أخاف على لغتنا الأم من هذا الشبح؛ لأنها مصانة محفوظة حفظ القرآن الكريم، فكلي خشية أن تتفاقم مساحات تهميشها، بعد تعالي دعوات تمتنين اللهجات العامية بيننا، ورواج تقليعة (الأربيزي) التي تمزج الإنجليزية والعربية مزجاً إرتجالياً، فأصبحت لهجة تشيع في الشباب ورسائلهم القصيرة.
سأستذكر رسالة وصلتني من قارئة قبل سنوات قالت فيها: (ألا تلاحظ معي أن الجيل الجديد لا يجيد التعبير، ولا التحدث، حتى في موضوع يخصه بلغته؛ لأنه غير معتاد على التحدث بالفصحى. وأنا أخصص يوما للتحدث بالفصحى في العمل والمنزل، وأبذل جهدي ليكون هذا النشاط قابلاً للتطبيق في محيطي، أحب أن تساعدني على نشر هذه الفكرة إن أحببتها).
وبعد أن أعجبتني فكرة الأخت الكريمة، شرعت في تطبيقها على نفسي وبيتي، فخصصت بعضاً من الوقت للحديث بالفصحى البسيطة، الفصحى غير المقعرة مع أطفالي، ونطقها بصورة مرحة، وأحياناً بطريقة مسرحية، مع مراعاة الحروف، ونطقها من مخارجها بشكل سليم، ثم زودتهم، أقصد أطفالي، بأفلام الرسوم المتحركة، الناطقة باللغة العربية الفصحى، أو المدبلجة بها؛ وقد لمست استجابة مدهشة عندهم، والآن لا نستغرب أن تتحدث طفلتنا بالعربية الفصحى بطلاقة وسلاسة.
غداً نحيي (اليوم العالمي للغة العربية)، الذي أقرته منظمة اليونسكو للثقافة والعلوم، والذي أعتقد أنه سيمر دون أن يلفت انتباه الكثير منا، عدا احتفال بروتوكولي هنا وهناك، فيبدو أننا منشغلون بهشاشة وسطحية موضة يوم الحب، أو عطر العود، أو بصورة إعلانية تفتعل اهتماماً بيوم التصحر، وأيادينا ملطخة بدماء الأشجار، أو مشدوهون بخطب جوفاء تصدح من أجل رتق ثقب الأوزون المتفاقم فوقنا، لكننا نتناسى الأشياء الجوهرية في حياتنا ومستقبلنا: لغتنا الفصحى.
نحتاج إلى قرارات جريئة في مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا الشبابية، تعلي من شأن لغتنا، وتعيد الألق إليها، وكذلك نريد قرارات في أنفسنا وبيوتنا، فلماذا نتبجح أن طفلنا ذا الثلاث سنوات يحفظ عشرات الكلمات الإنجليزية، أو الفرنسية، أو السيرلانكية أو الأندونيسية أو البنغالية، في حين لا نكلف أنفسنا الحديث معه بلغة عربية تنمو في نفسه، ويتشربها مع الحليب.
هي دعوة أن نتواصل بالفصحى مع أطفالنا، وهم في مهد الرضاعة، فهي لساننا الأبقى، وجذرنا الأعمق، في عالم جارف.
الدستور 2017-12-18