جامعة الأقصى والمؤامرة!
فكرة رائعة عرضها الأمير الحسن بن طلال (خلال مداخلته على إذاعة حياة أف. أم) وتتمثّل في إقامة جامعة تنويرية في المسجد الأقصى، على غرار جامعة الأزهر.
ووفقاً لموقع خبرني الإخباري "استذكر الأمير خلال حديثه عن فكرة تأسيس مركز معلوماتي يشمل توثيق كل جوانب المدينة المقدسة "الحيّة"، ما طالب به الحاج أمين الحسيني في الثلاثينيات من وجوب إقامة جامعة في الأقصى، متسائلا: لماذا لا يكون في أوقاف القدس نقطة إشعاع مثل الأزهر الشريف؟".
إذا تمّت ترجمة هذه الفكرة، بصيغة ذكية وعميقة ومحترفة على أرض الواقع، أظن أنّها ستكون جامعة مميّزة وأنموذجا لردّ حضاري، إنساني، قوي على الاحتلال الإسرائيلي وعلى قرار إدارة الرئيس ترامب، للتأكيد على الحضور الفلسطيني- العربي- الإسلامي في القدس.
مثل هذا المشروع "جامعة الأقصى"، يمكن أن يتكامل تماماً مع مشروعات أخرى، ويمكن إيجاد تخصصات عن الأديان السماوية، ومساقات عن مدينة القدس، ومراكز دراسات وأبحاث متخصصة في الاحتلال الإسرائيلي ومواجهته، وحماية هوية القدس وأوضاعها في مواجهة عملية التهويد المستمرة التي تجري على قدم وساق.
مثل هذه الجامعة يمكن أن تقع في رحاب المسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية والمسيحية، وأن يكون هنالك كليات وتخصصات فريدة في الدراسات والأبحاث والعلوم، وهو بالطبع جهد يحتاج إلى دعم كبير وعمل مؤسسي، ومنظور قانوني دقيق، وتمويل عربي- إسلامي كبير، من أجل إنجاح المشروع المقترح.
مفهوم الجامعة المقترح يمثّل فكرة جميلة، لكن بالتأكيد هنالك تفاصيل وصعوبات ربما تحول دون إقامتها، أو في الحدّ الأدنى تجعل ذلك مسألة في غاية الصعوبة، لذلك من الضروري أن يتم أولاً تدارس الفكرة من خلال سياسيين ومثقفين وقانونيين من فلسطين والعالم العربي والإسلامي.
**
ستنظر نخبة عربية مثقفة لفكرة الجامعة بوصفها "مؤامرة" تهدف إلى التطبيع مع إسرائيل، أو نشر أفكار دينية جديدة، وهي العقلية (المؤامرة) التطهّرية، وكأنّنا ملائكة والآخرون هم الشياطين الذين يخططون لتدميرنا، والواقع أنّنا نحن من ندمّر أنفسنا ونتآمر على بعضنا!
عقلية المؤامرة نفسها طاولت نموذج عهد التميمي، الفتاة الفلسطينية التي أصبحت من أشهر الشخصيات في مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت نخبة عربية تشكك في بروز هذا النموذج وإبرازه، وكأنّه مقصود، وقدّموا تحليلات عديدة، نحترمها، وبعضها في ظاهره منطقي، لكنها جميعاً تصدر عن منهجية التفكير نفسها: المؤامرة!
مرّة أخرى، لا يمكن إنكار وجود المؤامرة، أو بعبارة أخرى المخططات، لكن علينا دائماً في الوقت نفسه البحث عن الأسباب والشروط الواقعية (مثلما هي الحال في دراسة ظاهرة داعش). على أيّ حال أعجبتني مقالة كتبها أستاذنا د. وليد عبدالحيّ في مناقشة تلك النظرية "المؤامرة" في موضوع عهد التميمي (ونشرها على صفحته على الفيس بوك، أدعو لقراءتها).
في نهاية اليوم عهد التميمي لم تقدّم الاحتلال في وجهه الجميل، كما نقرأ، بل أظهرت الجانب الإنساني والأخلاقي من الرواية الفلسطينية، وهي في السجن اليوم، في مواجهة احتلال يعتقل الأطفال، وفي مواجهة الصورة النمطية التي أراد الاحتلال زجّ الفلسطينيين والنضال الفلسطيني فيها.
أنموذج التميمي لا يتناقض مع أنموذج "الفتاة المسلمة المتدينة"، التي تناضل ضد الاحتلال سلمياً، ولم لا نظهر نحن بدورنا هذا الأنموذج، فالعالم لا ينظر إلى لبس الفتاة أو لون عيونها بل إلى جوهر المسألة؛ الوجه الإنساني الأخلاقي للفلسطيني والوجه البشع للاحتلال!
الغد 2017-12-28