عام الصدمات الموجعة
يودع العالم العام 2017 دون أسف، فهو بدون شك عام طويل وممل وشهد صدمات غير متوقعة في انحاء متعددة من العالم، وهو عام بدون شك ينتمي الى سنوات موحشة وربما خلع من رزنامة القرن التاسع عشر والصق بالقرن الحادي والعشرين، فالتصدعات والانفصالات والازمات المتتابعة هي سمات اساسية لايام هذه السنة علاوة على عودة خطابات حقب الاستعمار في ادارة المصالح وفي الانفعالات ايضا، الى جانب حجم التراجع في مخزون الرأس مال الاخلاقي والاجتماعي الذي يبدو واضحا في الانفكاك التدريجي عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وفي الديمقراطيات العريقة نفسها.
سوف يؤرخ لهذا العام بانه عام الصدمات التي بدأت وانتهت بسياسات الادارة الأميركية بقيادة النخبة الجمهورية الجديدة سواء ما يتعلق بقوانين الهجرة وعودة التمييز العنصري والديني لأعرق الديمقراطيات وصولا الى القرار الاميركي الاخير حول نقل السفارة الاميركية الى القدس الذي صدم العالم. هذا العام كان ايضا عام الانفصالات غير المكتملة وعودة طرح سؤال الحق في تقرير المصير سواء في كردستان أو كاتالونيا الاسبانية، وعام عودة اللغة القديمة في الصراع على الديمقراطية وعلى صناديق الاقتراع في افريقيا وفي أميركا اللاتينية وحتى في أوروبا، وعام الازمات الصادمة والمتدحرجة في الخليج العربي او التوتر ولعبة الصواريخ في شبه الجزيرة الكورية كما هو الحال في عودة الازمة الايرانية الاميركية .
كان عاما اخر للموت المجاني في العالم العربي واستمرارا للازمات التقليدية المتدحرجة؛ في اليمن ازدادت الازمة الانسانية وازداد الافق انغلاقا كما هو الحال في ليبيا، فيما الارهاب المأجور يضرب في كل الاتجاهات على الرغم ان البعض يرى ان هذا العام طوى هذه الصفحة، فيما زعيمة مينامار الحاصلة على جائزة نوبل للسلام يقتل جيشها اكثر من ستة الاف انسان دون اي ادانة من العالم.
ولكن بشكل عام يمكن وصف أكبر صدمات هذا العام في النهاية الرسمية لعصر العولمة، الى اليوم لا توجد لدينا اطر نظرية واضحة الملامح تفسر ما يحدث في العالم، وسيبقى هذا الامر لوقت ليس بقليل، وعلينا أن ندرك أن هذا الأمر حدث مرات في التاريخ، وهذا ما يفسره منطق الدورات التاريخية، بينما علينا البحث عن جذور هذه الاعراض في القواعد المؤسسة للانظمة الدولية والاقتصادية التي حكمت العالم على مدى نحو ثلاثة عقود، فقبل الوقوف على الاربعين مرسوما رئيسيا وأكثر التي وقعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا العام وشاع وصفها بانه التوقيع على نهاية عصر العولمة، علينا الذهاب اعمق من ذلك الى سياسات بوش الابن في مطلع القرن وفي مقدمتها حصار اتفاقية التجارة العالمية والانقلاب الأول على العولمة واحلام الامبراطورية وغيرها، وقبل ان نفكر طويلا بظاهرة الكذب والاخبار المزيفة على شبكة فيسبوك وازمة الإعلام التقليدي العالمي علينا ان نعود الى ويكيليكس وظاهر ة الحكومات السرية في العالم المتقدم.
حتى مارك زوكربيرغ، مؤسس موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي في مقابلة إعلامية قبل ايام لا يخفي خشيته من ان الادوات والشبكات التي وجدت من اجل تقريب الناس تعمل ضد تقريب الناس وربما ضد الديمقراطية، حيث ان دور هذه الشبكات في تقريب الناس اصبحت مثار جدل وصل ذروته هذا العام.
على كل الأحوال العام 2017 لا ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين، ويبدو ان العام القادم سيكون استمرارا لعام الصدمات.
الدستور 2017-12-31