ليس اقتصاديا فحسب
لم يكن التغير الحاصل في العالم وعلى الساحة الاقليمية مفاجئا للأردن. فقد استشعر الساسة الأردنيون ومعهم الشعب منذ أكثر من عام تحولا ملحوظا في قواعد العلاقات الدولية الاقليمية ومعايير تعريف المصالح وتراجع تأثير القيم والمبادئ والثوابت التي حكمت العلاقات الاقليمية لحساب علاقات وتحالفات جديدة على اسس أمنية اقتصادية سياسية متجاوزة حدود الجغرافيا والتعريفات والمواقف السابقة للاعضاء.
الأردن الرافض لمحاولات الهيمنة والأكثر حرصا على حقن الدماء ووحدة الاراضي العربية اتخذ موقفا عقلانيا من الصراع المحتدم في الاقليم وحاول مرارا ان يدعو إلى وقف القتال الدائر والتخفيف من اثاره وويلاته على السكان حيث استضاف وبالرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية وتراجع الدعم الدولي ما يزيد على مليون لاجئ سوري.
التحدي الأكبر الذي تواجهه الدول التي تستند في تأسيسها على مبادئ وقيم وتحمل على كاهلها رسالة، يتمثل في صعوبة الانصياع لاهواء ورغبات بعض التحالفات التي لا تقوم على اسس سليمة وتنطلق من اولويات موحدة وتتيح للاعضاء المشاركة الفاعلة في التفكير والتخطيط والتقييم للاخطار والتهديدات واختيار الاساليب المناسبة للاستجابة لها.
خلال الاسابيع الماضية ومنذ إعلان الرئيس الأميركي القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي وجد الأردن نفسه مرة أخرى في مواجهة الغطرسة والهيمنة والسياسات التوسعية التي انتهجتها إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة وبعض القوى العالمية. بالرغم من التهديدات الأميركية بقطع المساعدات عن كل دولة تصوت لصالح رفض القرار في الجمعية العامة قاد الأردن إلى جانب مجموعات دولية عربية وإسلامية وأوروبية جهدا أمميا اسفر عن رفض الجمعية العامة للقرار الاميركي واعتباره باطلا.
الموقف الأردني من قرار ترامب وتراجع مستوى الدعم الاقتصادي الخارجي للأردن وحاجة الأردنيين إلى الشعور باستقلالية القرار الوطني عوامل دفعت بالمواطنين إلى التعبير عن نشوتهم واستعدادهم لدعم اي برنامج وطني جاد لتحقيق الاعتماد على الذات.
في التاريخ الأردني الحديث لا توجد سياسة أو شعار لاقى قبولا واسعا وتوافقا رسميا وشعبيا كما يتوافقون على دعوة القيادة السياسية ودعوات الحكومة للعمل على "تحقيق الاعتماد على الذات". الحكومة والنواب والاحزاب السياسية والكتاب والاعلاميون واساتذة الجامعات والصناعيون والتجار يرددون في لقاءاتهم وحواراتهم ومؤتمراتهم الصحفية هذا الشعار الذي فتح نافذة الامل لدى الاردنيين في امكانية تغيير سلوكنا الاستهلاكي وانماط الانفاق والتوقف عن انتظار المعونة والمساعدات الخارجية والسير بخطوات واثقة نحو ايجاد حلول واقعية لعشرات المشكلات المزمنة التي تضافرت على النيل من انجازات بلدنا واسهمت في تراجع الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتباطؤ التقدم في توفير مستويات افضل من الخدمات التعليمية والصحية وتحسين نوعية الحياة.
منذ أن وجه جلالة الملك الحكومة وأجهزة الدولة نحو هدف الاعتماد على الذات والجميع يعيد ما قاله الملك، لكن دون ظهور برنامج وطني متكامل يبين آلية وسبل وبرامج تحقيق الاعتماد على الذات. من الصعب تصور تحقيق الاعتماد على الذات دون تطور حقيقي في توفير مصادر جديدة وكافية لمياه الشرب، ومن الصعب الاعتماد على الذات ونحن نستورد أكثر من 95 % من الطاقة اللازمة للتشغيل، ومليون عامل اجنبي مقابل نصف مليون أردني عاطل عن العمل. من الصعب الاستمرار في استيراد 90 % من القمح ومن الصعب أن نستمر في استيراد السلع والخدمات التي ننتج مثيلا لها.
الاعتماد على الذات لا يعني التوقف عن تلقي الاعانات فقط ولكنه يشمل الانتقال بالبلاد إلى حالة الاكتفاء الذاتي واستقلالية القرار والتخلص من التبعية وبناء القدرات وتنمية الموارد وربط الأحزمة والتخفيف من المجاملات السياسية لحساب المصالح الوطنية، وهو يعني أن نسمح للجميع بان يولدوا طاقة شمسية وان لا ينتظر المواطن لسنوات السماح له بحجة عدم قدرة الشبكة. ومن المهم أن يتولى إدارة مشروعاتنا الحيوية في العقبة وماعين أردنيون يجري اختيارهم من بين آلاف الأشخاص الذين منحوا جوائز التميز في الإدارة والابداع. وأيضا الاهتمام بصناعتنا الثقافية وحقوق المؤلف وغيرها من المنتجات التي يمكن أن ترفد اقتصادنا.
الغد 2017-12-31