حالة التحالف المدني
ثلاثة عشر يوما مرت حتى الآن دون أن تقدم الحكومة سببا -أي سبب- لمنع اجتماع التحالف المدني، وهو ما أعجز عن تفسيره بطريقة مناسبة. هل هو استهتار بمحاولات المواطنين الالتزام بالقانون وإنشاء أحزاب جادة لتطوير الحياة السياسية في البلاد، أم هو عجز عن مقاومة قرار المنع أم هو خجل من هذا العجز؟ في خضم التحليلات العديدة التي حاولت تفسير القرار في ضوء الصمت الحكومي، لا يملك المرء إلا أن يشعر بأن قيمته كمواطن له حقوق مكفولة من الدستور والقانون لا تعني الكثير للسلطة التنفيذية.
لكن ذلك ليس مدعاة لليأس بأي حال من الأحوال. صحيح أن الاسبوعين الماضيين شهدا هجوما كاسحا في وسائل التواصل الاجتماعي ضد بعض أفراد التحالف وأفكاره، محاولين اختزال الجهد ببعض الشخوص، وأنا منهم، وبطرق تفتقر إلى الموضوعية ولأي ثقافة بناءة للحوار، أو متجاهلين مواقف التيار المعلنة تجاه بعض القضايا كالدين والقضية الفلسطينية ومحاولة تشويه صورته مستخدمين عواطف الناس بدلا من الحجج المنطقية. وصحيح أيضا أنه عدا بعض الكتاب وصناع القرار الذين يحترمون الحريات فعلا وليس تشدقا فقط، لم ينبرِ من كان متوقعا أن يدافع عن حق إنشاء تجمع حزبي، بل إن البعض ممن يتشدقون بالحريات والدولة المدنية إما بقوا صامتين او يهاجمون التحالف بطرق ملتوية وغير مفهومة، لأنهم يَرون في ذلك تهديدا لمطامحهم الشخصية، أو لأن بطولاتهم لا تجرؤ على انتقاد الجهات التي قررت المنع.
ولكن صحيح أيضا أن حالة جديدة ولدت في خضم كل ذلك لن يستطيع السياسيون التقليديون إنكارها، وهي أن التحالف نجح حتى الآن في استقطاب العديد من أبناء وبنات الجيل الجديد الذين يريدون فكرا -وليس شخصا- يحاكي همومهم اليومية، فكرا يعمل على بناء أرضية مناسبة تنمو فيها ثقافة تركز على البرامجية، وليس الأيديولوجيات السابقة التي عفا عليها الزمن دون أن تتمكن من حل مشاكلهم، وأن هذا الجيل لا يلتفت إلى ما يقوله الساسة التقليديون هؤلاء، ولا تهمه مواقفهم أو أمجادهم الشخصية. هناك جيل جديد له طاقة كامنة كبيرة مستعد لتوظيفها مع من يعمل لتوطيد هذه الأفكار وترجمتها إلى برامج معنية، ولن يعيقه عن ذلك أي هجوم ضد الشخوص، لأن الشخوص لا تعنيه، بل يعنيه من يعتقد أنه صادق في العمل معه لمحاكاة همومه الاقتصادية والاجتماعية كما السياسية والوطنية.
لكل ذلك، فقد نجح التحالف حتى الآن، وبطريقة حضارية، في تخطي الحملة المسعورة التي أطلقت ضده، لانها استخدمت وسائل تقليدية لا تعني من يؤمن بهذا الجهد، ولان الجهل والتعصب واغتيال الشخصية ليست أسلحة تستطيع النفاذ الى عقول هذا الجيل، الذي يركز على بناء أسس متينة للمستقبل، وليس على السباب والتكفير والتخوين، وكلها أسلحة رصاصاتها فارغة. في النهاية، إما أن يستخدم معارضو هذا الجهد العقل والمنطق لطرح وجهات نظرهم المقابلة، أو أنهم لن ينجحوا في الوقوف أمام هذا السيل العارم الآتي والمدعو الجيل الجديد.
لسنا اليوم أمام مجرد جهد لإقامة حزب جديد. نحن أمام حالة نجحت حتى قبل ولادتها رسميا في إطلاق حوار مجتمعي حول ما يحتاجه الاردن لإقامة حياة حزبية جادة تنشأ عنها أحزاب برامجية حقيقية إضافة لحزب جبهة العمل الاسلامي. نحن أمام حالة تعدت ثقافة التغني بالديمقراطية دون ممارستها. نحن أمام حالة تستخدم العقل لا الحنجرة، والمنطق لا الشتيمة.
لن يؤثر على هذه الحالة منع لقاء، لأن طموحات الجيل الجديد أكبر من التجمع داخل قاعة، والفكر الجديد لا يمكن أن يُجهَض بقرار إداري.
الغد 2018-01-03