عن الانتفاضة التي لم تندلع حتى الآن

تم نشره السبت 06 كانون الثّاني / يناير 2018 12:27 صباحاً
عن الانتفاضة التي لم تندلع حتى الآن
عريب الرنتاوي

كشف السيد حسن نصر الله في لقائه الأخير مع الميادين، معلومات عن لقاءات جمعت الحزب بقادة الفصائل الفلسطينية «جميعها»، وأن اتفاقاً قد تم التوصل إليه، يقضي بنتيجته، العمل على إشعال «انتفاضة ثالثة»، رداً على قرارات ترامب بشأن القدس، وتعبيراً عن فشل مسار التفاوض والتسوية ... فهل الانتفاضة يمكن أن تنطلق بـ»قرار إداري» تتخذه الفصائل في حاضرة حزب الله؟ ... وماذا عن موقف أكبر الفصائل وأكثرها نفوذا وتأثيراً في الضفة الغربية على وجه التحديد، وأعني بها حركة فتح، وهل من حضر الاجتماع يمثل الحركة بأجنحتها المختلفة ولديه تفويض بالتوقيع على «بيان الانتفاضة الأول»؟ ... وعن أي شكل من أشكال «الانتفاضة» نتحدث ويتحدثون، 1987 أم 2000 أم شكل بديل آخر؟ ... ما هي وسائل هذه الانتفاضة وأي أدوات كفاحية سيجري اللجوء إلى استخدامها؟ 
أبدأ بالقول، إن الانتفاضة فعل شعبي عفوي بالغالب، يجري تنظيمه وقيادته لاحقاً، إنْ من قبل رياديين شباب اضطلعوا بمسؤولية إطلاق الشرارة الأولى، والأرجح من قبل قوى منظمة، لا تجد صعوبة في «امتطاء» موجة العمل السياسي واغتنام اللحظة التاريخية التي قد تكون سبباً في تشكلها وقد لا تكون، وهذا الفعل الشعبي الجارف، تختمر جملة من العوامل والأسباب والظروف، في تشكيله وتطويره، وهي  - الانتفاضة - ليست قراراً بيروقراطياً أو مرسوماً يهبط من علٍ فيتلقفه الشعب المتلهف ويحيله إلى زلزال جماهيري جارف ... فهل الأوضاع في الضفة الغربية، وبعد ربع قرن على أوسلو، مهيأة لانتفاضة ثالثة؟ ... الجواب على هذا السؤال، بالنفي أو الإيجاب، ينطوي على قدر من المجازفة، وإن كنّا بعد مرور شهر على قرارات ترامب، نميل إلى التريث بالتبشير بانتفاضة جديدة.
موجة الاحتجاجات التي اجتاحت الضفة الغربية إثر إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، توفر فرصة للقوى المنظمة للعمل على «تطوير» هذا الفعل الشعبي، المحدود في الزمان والمكان ومن حيث أعداد المشاركين فيه، إلى فعل أوسع وأشمل ... لكن هذه القوى ذاتها، بحاجة «لانتفاضة» في دواخلها لتجديد شبابها وضخ دماء جديدة في عروقها وتجديد حضورها، دع عنك تجاوز انقسامها المؤذي، بل والمدمر للحركة الوطنية والمشروع الوطني الفلسطينيين.
تستطيع الفصائل مجتمعة، وبالذات فتح وحماس، أن تحدث فرقاً هائلاً إن هما قررتا العمل سوية، وفي الميدان، لتطوير أشكال من المقاومة الشعبية المستمرة والمتصاعدة ضد الاحتلال والاستيطان ... لكن من قال إن توافقاً كهذا يبدو أمراً ممكنا، لا بسبب الخلافات السياسية فحسب، بل وبفعل انعدام الثقة وهيمنة مشاعر القلق من الآخر، والتي تحظى في كثير من الأحيان بأولوية على جدول أعمال هذين الفصلين، تتخطى أولوية محاربة الاحتلال... هذه هي الحقيقة، إن أردنا توصيفها من دون «نفاق» أو «تكاذب» كما دأب على ذلك «خطاب الاستهلاك المحلي».
هل ثمة تقدير مشترك لأدوات النضال ووسائله الكفاحية التي يمكن اعتمادها في الضفة الغربية حصراً، وما هو موقع قطاع غزة ودوره في الانتفاضة الثالثة؟
في السجال الدائر حالياً حول هذه العناوين، تبدو الغلبة لفكرة المقاومة الشعبية، من دون أن تغيب فكرة «الكفاح المسلح» عن التداول، في غياب شبه كامل لأي مراجعة أو تقييم جديين لانتفاضتي الشعب الفلسطيني الكبريين، الأولى والثانية، إذ مقابل النظرية المؤسسة على مبدأ «المفاوضات حياة» والتي لا ترى سوى كارثية النتائج المترتبة على «عسكرة الانتفاضة»، يكتفي الفريق الآخر، بكيل الاتهامات لسلطة أوسلو ونهجها السياسي، وتحميله كامل تبعات المآلات الصعبة التي انتهت إليها القضية الفلسطينية ... ثمة حاجة لحوار فلسطيني حقيقي، ينطلق أولاً من القناعة بحاجة الشعب لتصعيد مقاومته الشعبية (أو انتفاضته)، ويمر ثانياً بتوافقات عريضة حول شكل هذه الانتفاضة وأدواتها، ولا ينتهي ثالثاً، بتوسيع وتنويع مشاركة الشعب الفلسطيني في مختلف أمكان تواجده، تحت الاحتلال وخارجه وفي المنافي والشتات ... مثل هذه العملية لم تبدأ فلسطينياً حتى يمكن التكهن كيف ستنتهي وكيف يمكن التنبؤ بالنتائج وقياسها.
ثمة ما يمكن وصفه بشعور عام بالإحباط يخيم على أوساط الشعب الفلسطيني ونخبه الحديثة، ناجم عن «محدودية» ردة الفعل الشعبية والجماهيرية على قرارات ترامب ... فالرهانات كانت منعقدة على أن قضية بحجم القدس ورمزيتها، كفيلة بتفجير طاقة الغضب الشعبي الفلسطيني إلى حدودها القصوى ... شيء من هذا القبيل لم يحدث حتى الآن ... الأمر الذي سيفضي إن استمرت الحال على هذا المنوال، إلى مزيد من «التراخي»، ويشجع بعض القوى الفلسطينية المتنفذة، على البحث عن سلم آمن للهبوط عن قمة الشجرة التي صعدت إليها، وفي المقابل، فإن وضعاً كهذا، قد ينمي اتجاهات المغامرة و»المقامرة» عند شرائح وفئات أخرى، تكون فقدت الأمل بإمكانية مسار تطور الأحداث... وفي كلتا الحالتين تكون الأبواب الفلسطينية فتحت على مصراعيها، للتدخلات الإقليمية واسعة النطاق، تارة تحت ستار «الواقعية» و»العقلانية» وأخرى تحت راية «المقاومة» و»الممانعة».

الدستور 2018-01-06



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات