بين زرين
في الوقت الذي لوح فيه رئيس كوريا الشمالية كم جونغ أون بأن المدن الأمريكية تحت مرمى صواريخنا بكبسة زر، يرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن أزرارنا أكبر وأقوى وأكثر فعالية من أزراركم.
وما بين الزر الأمريكي والزر الكوري تقع منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي التي لا يجد زعماؤها إلا تهديد شعوبها بأدوات القمع البدائية الخالية من قوة الأزرار.. وفي الوقت الذي تشن فيه الولايات المتحدة هجوما عنيفا عبر تويتر على الرئيس الكوري الشمالي وتتهمه بأحقر التهم، وأفظع العبارات، وتشن هجوما آخر على الجمهورية الإيرانية وتتهم نظامها السياسي بالفاشية والدموية، قامت وتقوم جيوشها وأساطيلها بمحاصرة العراق وضرب سوريا ودعم الكيان الصهيوني بمليارات الدولارات ومنحه كميات كبيرة من الأسلحة الحديثة القادرة على تدمير مدن بأكملها لممارسة القتل بحرية.
وفي تجربة العراق اكبر مثال على أن الدول الغربية لها حساب آخر مختلف في معادلة القوة والضعف.. فلم يمض أشهر محدودة على المزاعم التي تتهم العراق بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل، حتى قامت الولايات المتحدة والمتحالفون معها بتوجيه كل أسلحتهم الصالحة والطالحة والمحرمة و»المحللة» نحو العراق والانقضاض عليه، لتدمير بنيته التحتية وتقتل منه عشرات الآلاف في أسابيع.
تقول المعلومات إن الغزو والسيطرة العسكرية الشاملة التي نفذتهما أميركا وبريطانيا في العراق في العام 2003 بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل أدت لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين، وخسائر بشرية قُدرت بمليون قتيل ومصاب وملايين المشردين، وخسائر مادية للطرفين تقدر بتريليونات الدولارات، وانزلاق البلاد في عنف طائفي لا يزال العراق يعاني منه حتى اللحظة.
فلو كان العراق يمتلك أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل فعلا كما ادعت الــ»سي أي اية» لما تجرأ أي من تلك الدول مجرد الاقتراب منه، بل ظهرت جراءتهم وقوتهم عندما أيقنوا تماما أن العراق «فارغ» ولا يمتلك إلا القليل من الأسلحة منتهية الصلاحية ولن تصل الى مدنهم أو قراهم.
الطريف في موضوع التهديدات المتبادلة بين الجانبين الكوري والأمريكي، أنها مستمرة منذ عشرات السنوات ولكنها لم تصل في يوم من الأيام الى حد الصدام المباشر، فهل كان كل هذا الهجوم الإعلامي لجس النبض فقط أم للمزايدات الكلامية.
الأكثر غرابة من ذلك أن التهديد الأمريكي للفلسطينيين مثلا ولبقية الأمم الضعيفة يسبقه التنفيذ، فقد قامت الولايات المتحدة بقطع دعمها لوكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين، حتى قبل أن تهدد الفلسطينيين بحرب اقتصادية.
ويمكن تشبيه التصرفات الأمريكية المتناقضة بين ما تعلن عنه في تويتر ووسائل الإعلام وما تطبقه في الواقع بعبارة «أضرب الضعيف حتى يخاف القوي»، فهي مثلا تعلن الحرب على الفقر بمعزل عن الفقراء، وعلى الفساد بمعزل عن الفاسدين، وتهاجم الأقوياء إعلاميا فيما تعمل أسلحتها قتلا وتنكيلا وفتكا بالضعفاء.
السبيل 2018-01-07