حدود الترميز الوطني !!
للترميز سواء تعلق بالأوطان والهويات وكل ما هو معنوي دوره ونفوذه إضافة الى ضرورته الوجدانية والتربوية، لكنه ما ان يتجاوز مساحته وحدوده حتى يهدد الفعل وينوب عنه، بحيث يتصور من يردد عبارة او يرسل رسالة عن موقف وطني انه قام بما عليه ان يقوم به، كأن يحرض ابناء الناس على العصيان والتمرد لكنه يخبىء ابناءه كي يضمن سلامتهم وقد سمعت حكاية ذات يوم عن فلسطيني قال فيها انه غامر بالذهاب من الكويت الى جنوب لبنان وتعرض لاخطار كثيرة، وكانت المفاجأة بالنسبة لي على الاقل ان كل تلك المغامرة كانت من اجل استعادة ابنه الذي التحق بالمقاومة!
والآن بعد ان وقعت الفؤوس كلها في الرأس لم يعد لدينا من رفاهية الخيارات والتردد ما يبرر استمرار المجاملات والتواطؤ لهذا يجب التفريق بقوة بين مستويين للعمل الوطني، احدهما ميداني وفاعل وله ثمن، والاخر رمزي وتجريدي ومُعفى من اي ثمن. ولكي نصدق من يدعو شبابنا الى ممارسة دورهم التاريخ والوطني علينا ان نسأله عن ابنائه وهل هم في مخيمات الضفة وغزة ام في الولايات المتحدة وفي باريس ولندن والبورصات؟
ومن يريد من الآخرين ان يُسجنوا ويجوعوا وأخيرا يموتوا عليه ان يقدم لهم ولو عينة من ممارساته خصوصا اذا كان من الموسرين الذين لم يتذكروا في ذروة البذخ والسفاهة ابناء شهداء واسرى، والهوية بالنسبة اليهم اقرب الى الفولكلور او الحفلات الموسمية والاعراس!
نعرف قيمة الترميز وفاعليته في الوجدان القومي، فالعلم الذي هو قطعة قماش يموت من اجله ملايين البشر لأنه يرمز الى الكرامة الوطنية والاستقلال، لكن مقابل الترميز هناك مساحة مهجورة هي مساحة الفعل والممارسة، وما يجري الآن في فلسطين ليس مجرد موجة او هبّة موسمية لأننا نقترب من ربع الساعة الذي يمتحن النوايا ويكشف المستور، وما كان متاحا من الرقص على حبال السيرك السياسي لم يعد متاحا الآن!!
الدستور 2018-01-07