أين الحكومة؟!
عاد رئيس الوزراء د. هاني الملقي من الولايات المتحدة بعد فترة غياب قصيرة، بانتظار استكمال العلاج في الأردن (نتمنى له الشفاء والسلامة)، لكن الغياب الطويل، الذي يلمسه المواطنون له ولحكومته يتجاوز الأزمة الصحيّة إلى أزمة سياسية حقيقية، فلا يظهر أي وزير يخاطب الشارع المحتقن ويشتبك مع المزاج السلبي، وكأنّ الحكومة دخلت في حالة "كوما سياسية"!
لا يقول أحد بأنّ تغيير مزاج الشارع في متناول اليد، بل هو أبعد ما يكون، وذلك طبيعي أمام الظروف المالية والأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار المتتالي، لكن البديل ليس أن يهرب المسؤولون السياسيون، ويختفون تماماً عن الأنظار، ويتجنبون مناقشة السياسات والمحاججة، فذلك أخطر بكثير، ويخلق فراغاً سياسياً واضحاً، ويُترك الشارع لحالة الإحباط والاحتقان وللأصوات الغاضبة، بانتظار ردود الأفعال!
يستحق مدير عام قوات الدرك الشكر على لقائه وجهاء الكرك أول من أمس، واستلام قائمة بمطالبهم، وذلك بهدف تخفيف الاحتقان، لكن من قال إنّ هذه مسؤوليته السياسية؟! وأين الوزراء والمسؤولون، فالدرك – في نهاية اليوم- هو جهاز أمني متخصص في التعامل مع العنف، لكن المطالب والنقاشات كانت سياسية واقتصادية، وهي التي أدت إلى الاحتجاجات العنيفة (التي شاهدناها على مواقع التواصل الاجتماعي).
هل ترون الأمر طبيعياً ومنطقياً أن تختبئ الحكومة ووزراؤها وأن يتوارى المسؤولون السياسيون والسياسيون السابقون، بخاصة الأعيان، خلف قوات الدرك، ويتركون الشارع بلا أي رسالة سياسية وإعلامية؟!
لا ليس طبيعياً، بكل تأكيد. وهذا تعبير عن مشكلة سياسية كبيرة وجوهرية نخشى الاعتراف بها والتعامل معها، ليس فقط على صعيد الحكومة، بل على صعيد الأوساط السياسية عموماً، والنخب السياسية التي تغلق على نفسها، وهذه ليست المرّة الأولى بل أصبحت بمثابة الأمر الواقع، ألم يتساءل الملك نفسه (في لقائه بالإعلاميين بعد حادثة السفارة الإسرائيلية) عن غياب المسؤولين والسياسيين السابقين؟!
أخشى أنّ هنالك عدم إدراك، وربما تجاهل وحالة إنكار، لخطورة الأزمة الداخلية. والأغرب أنّ هنالك سياسيين ومسؤولين ما يزالون يقلّلون من شأن ما يجري بوصفه حراكاً متواضعاً احتجاجاً على ارتفاع الأسعار، بينما لو يجمّعون ما يحدث ويضعونه في إطار منهجي متكامل، ويحللونه – بقليل من الخبرة السياسية المفقودة- سيجدون أنّ الحراك السلمي أفضل بألف مرّة من الظواهر الخطيرة التي بدأت تنتشر في المجتمع، خلال الفترة الأخيرة!
ما هي هذه الظواهر؟ وماذا تعكس؟ هذا هو السؤال الجوهري المهم؟
السطو المسلّح، مثلاً، وفقاً لتقرير "الغد" أمس، ففي أقل من شهر حدثت 15 عملية سطو مسلّح، أي كل أقل من 48 ساعة لدينا عملية! كيف يمكن أن نقرأ تأثير ذلك على الاستثمار وبيئة الأعمال وعلى سمعة الأردن؟! لا جواب ولا نقاش من المسؤولين والسياسيين!
الأهمّ من ذلك ما هي دلالات ذلك المجتمعية والسياسية؟! وكأنّ الناس فقدت الأمل من المطالب السلمية الإصلاحية، وأصبحت تريد حلّ مشكلاتها المالية والاقتصادية من خلال العنف الداخلي!
الاعتداء على الممتلكات العامة، والاحتجاج العنيف في بعض المناطق أليس هذا السلوك الخطير بحاجة إلى حملة سياسية وإعلامية قوية وإلى مناقشة جديّة لخطورته وتداعياته، لمنع تدحرجه وتطوّره!
صحيح أنّ شغب الملاعب هو قديم، وظاهرة تتجاوز الأردن، لكن عنف الألفاظ والهتافات، فيما رأيناه من مشاهد (على مواقع التواصل الاجتماعي) مخجلة ومخزية، يعكس أيضاً حالة المزاج الاجتماعي و"تفشّش المجتمع ببعضه"!
هذه الظواهر والمؤشرات تحتاج إلى خطاب سياسي وإعلامي قوي، وماكينة سياسية حقيقية، لأنّ تجاهل ما يحدث لن ينهيه، بل سيفاقمه ويراكمه!
الغد2018-02-12