«غصن الزيتون» وزيارة تيلرسون لأنقرة
اقتربت عملية غصن الزيتون من انهاء شهرها الاول. وبحسب وزراة الدفاع التركية فإن اغلب المواقع الاستراتيجية المحيطة بمدينة عفرين باتت تحت سيطرة الجيش التركي والقوات التابعة للجيش السوري الحر.
في حين ان القوات الكردية الانفصالية تكبدت ما يزيد على 1100 من مقاتليها في المعارك في مقابل خسائر محدودة في صفوف القوات التابعة لعملية غصن الزيتون كان ابرزها اسقاط طائرة عامودية تركية.
العملية تتقدم ببطء، ولكن بشكل مدروس فردود الفعل على العملية وتبعاتها الانسانية ما زالت محدودة او شبه معدومة، في حين ان التقدير العسكري الامريكي الاولي يشير الى ان العملية اسهمت في تشتت جهود قوات الـ PYD وتراجع فاعليتها.
تقييم قدمه وزير الدفاع الامريكي ماتيس مؤخرا بالقول: «إنّ العملية التي تجري في عفرين «شتت تركيز» الأكراد داخل ما يسمى «قوات سوريا الديمقراطية»، مضيفا ان الوضع في عفرين «شتت تركيز نحو 50 بالمائة أو أكثر أو أقل من قوات سوريا الديمقراطية- قسد».
كما اعترف ماتيس بأن عدداً من القوات التابعة للانفصاليين الاكراد التابعين لوحدات حماية الشعب توجهت الى عفرين للقتال، معبرا عن تفهمه المخاوف التركية.
تصريحات ماتيس لا تعكس فقط الواقع الميداني المتدهور للمليشيات التي تعمل تحت إمرة الجيش الامريكي إنما تعبر عن احباطه وعجز بلاده عن ادارة الملف السوري الذي يزداد تشابكا وتعقيدا.
تصريحات ماتيس تسبق لقاءه وزير الدفاع التركي «نور الدين» في بروكسل، وتتزامن مع زيارة ريكس تيلرسون لأنقرة في محاولة لوقف التدهور في العلاقات التركية الامريكية؛ فزيارة تيلرسون المرتقبة تمثل احدى الحلقات العريضة في سلسة ممتدة من الجهود الامريكية المكثفة لتخفيف حدة التوتر بين انقرة وواشنطن؛ اذ سبقها زيارة تمهيدية قام بها مستشار ترمب للامن القومي الجنرال مكامستر لأنقرة؛ فأمريكا تبذل جهوداً مضنية للتعامل مع الازمة المتفاقمة في علاقاتها مع تركيا؛ اذ تدرك واشنطن حجم المأزق الذي تعانيه في سوريا والمنطقة، خصوصا بعد تشتت جهود الاكراد الانفصاليين وتشرذم جهودهم لا في الجانب العسكري فقط بل السياسي.
فالانقسامات والانشقاقات والتشتت وتصارع الاجنحة والولاءات في صفوف الانفصاليين تزيد مهمة تيلرسون صعوبة؛ فالسياسة الامريكية في سوريا باتت مأزقاً سياسياً وعسكرياً نتيجة الاخطاء المتراكمة لواشنطن، وعنصر الزمن بات عاملا ضاغطا على صناع القرار في واشنطن لمعالجة الاختلالات السياسية.
فشعور الاكراد الانفصاليين بخذلان واشنطن لهم في الميدان السياسي والعسكري يتفاقم، دافعا قادة الـ PYD الى دعوة النظام السوري للتدخل لحماية عفرين، معبرين عن استعدادهم تسليم المدينة لجيش النظام بعد ان رفضوا هذا العرض في وقت سابق، وهي دعوة تعد مؤشرا قويا على تدهور قدراتهم القتالية، وخشيتهم من هزيمة تلوح في الافق، والاهم من ذلك تعد مؤشرا على الانقسامات والانشقاقات السياسية التي تتشكل على وقع الانتكاسة العسكرية والسياسية والتخبط الامريكي.
فتركيا وعلى لسان وزير خارجيتها جاويش اوغلو لم تخف اهمية اللقاء مع تيلرسون الا انها تدرك ميزة عنصر الزمن والمناورة؛ اذ حذر اوغلو الفيدرالية الامريكية من امكانية انهيار العلاقات الامريكية التركية في حال لم تتدارك امريكا التوتر وحالة التدهور في العلاقة وتعمل بجد على المصالحة مع تركيا؛ فالعلاقة لا تقتصر على ملف منبج وعفرين ودعم واشنطن للمليشيا الانفصالية إنما تمتد نحو تسليم فتح الله غولن المتهم بالتخطيط للانقلاب في العام 2016، فضلا عن عملية التأزيم المستمرة لواشنطن لملف العلاقات التجارية والدبلوماسية من خلال اعتقال رجال الاعمال الاتراك، وفتح ملف العلاقة التجارية بين تركيا وايران، علما بأن هذه العلاقة لم تكن خافية على واشنطن في حينها، وكانت تعد جزءاً من الجهود التفاوضية الامريكية اثناء مفاوضات الملف النووي الايراني 5+1.
الاوراق التركية للتفاوض والتعامل مع الفيدرالية الامريكية قوية تشمل عضويتها في الناتو، ودورها في العراق، فضلا عن تعاظم دورها الميداني في سوريا، وتنامي علاقاتها مع روسيا وانفتاحها على طهران، وهي تدرك في ذات الوقت ان الاتحاد الاوروبي بعد البريكست والانتخابات الالمانية لم يعد يملك الافضلية.
ورغم استمرار عملية التحرش الالمانية بتركيا بإرسال وزيرة الدفاع الى العراق ولقائها قوات تابعة لـ PYD في قواعد تحظى بدعم ورعاية المانية، الا ان المانيا الان اكثر انقساما واكثر فوضوية في ادارة سياستها الخارجية؛ فبرلين تتنافس مع واشنطن بطريقة او اخرى لكسب ود الانفصاليين، وتنافسها في عدد كبير من الملفات؛ ما يجعل من النشاط الالماني مسألة تتجاوز العلاقة مع انقرة نحو ادارة العلاقة مع واشنطن ومساومتها، وفي ذات الوقت تعكس نزعة برلين بإبعاد الانفصاليين عن روسيا خصمها الاستراتيجي مسألة على الارجح تعمق الخلافات داخل الـ PYD بين اجنحة متصارعة ومشتتة سياسيا في ولائها السياسي والعسكري؛ فإدارة القوى الغربية للملف الكردي الانفصالي تعاني من فشل ذريع يهدد بتمزقه وانهياره.
تركيا تمكنت من تجاوز الجزء الصعب من عملية غصن الزيتون، وحافظت على أمنها الداخلي، واحتوت من التداعيات الامنية والسياسية للعملية على ساحتها الداخلية، بل تمكنت من تحقيق نمو متسارع خلال الاشهر الاخيرة بلغ 11% ما سمح لها بتجاوز الاشكالات المترتبة على انحراطها في عملية عسكرية خارج حدودها.
مركز القوة الذي تتمتع به تركيا والافضلية النسبية تمكنها من التفاوض مع واشنطن؛ فأمريكا تشعر بالعجز ولا ترغب في تقديم تنازلات جوهرية في علاقتها مع انقرة، الا ان التقدم الميداني الذي تحرزه تركيا شمال سوريا، والتشرذم والتفسخ السياسي والميداني الذي يعانيه الانفصاليون الاكراد، والتطور المستمر في العلاقة مع روسيا تجعل من الزمن عنصرا حاسما لا يعمل لصالح واشنطن، في حين انه يتيح لتركيا مزيداً من الوقت للمناورة، واحتواء اي توجهات سلبية لواشنطن تجاه العملية في عفرين.
امريكا وعلى الرغم من إدراكها خطورة التطورات الحاصلة شمال سوريا على مستقبل نفوذها في العراق وسوريا والمنطقة العربية، الا ان سياستها لا تتمتع بالفاعلية ومأزقها يزداد رسوخا في المنطقة بعد تورطها في مواقف ايدولوجية متطرفة تجاه القضية الفلسطينية ونزعتها الصدامية مع دول الاقليم، وانقسام ادارتها السياسية وتشرذم مؤسسات صنع القرار فيها، وهي عوامل ستجعل من امكانية ادارة امريكا لعلاقاتها الاقليمية وتحقيق مكاسب في الملف السوري شبه مستحيلة.
في المقابل فإن انقرة بعد عملية غصن الزيتون باتت اقدر على المناورة ومراكمة المزيد من المكاسب؛ فتركيا الطرف الاقليمي الاكثر تأهيلا لانتزاع مزيد من التنازلات من واشنطن، الا ان هذه التنازلات لن تبعدها عن طهران او موسكو مستقبلا، فالضعف والمأزق الامريكي اعمق من أن يدفع انقرة للمراهنة مرة اخرى على واشنطن؛ فواشنطن تتعامل مع حلفائها كقطع الغيار القابلة للاستبدال او المستهلكات القابلة لإعادة التدوير، وهي رؤية سطحية وتقليدية لا تتناسب مع التحولات الحاصلة في الاقليم، وفي تركيا بشكل خاص؛ ما يجعل من الرؤية الامريكية وعقدة التفوق العائق الاكبر امام نجاحها في صياغة استراتيجية مستقرة وناجحة.
السبيل 2018-02-14