الطفل وأخلاقيات نشر الفيديو
لا نريد من أحد أن يخرج قائلا إن العنف ظاهرة دخيلة على مجتمعنا، وأنه مظهر لا جوهر؛ ومن يقول هذا، عليه فقط أن يربط المشاجرات، التي راجت بمواقع التواصل الإجماعي هذا الأسبوع: الطفل الذي يُضرب في مدرسته، و سائق الباص العمومي ومساعده.
قريباً من هذا، تكاد تشترك جميع سياراتنا بإضافة نوعية واحدة، إبتداء من الكيا سيفيا وصولا إلى الهمر، مروراً بالمرسيدس حتى اللكزس. فكلها تحوي قنوة (عصا غليظة غير مشذبة تشبة الهراوة) تجدونها مباشرة تحت كرسي السائق وطوع يده ونرفزته.
نحن لا نرى أنفسنا حين نقود سياراتنا. فدائما متشددون، متوترون، متجهمون، نحن بارودٌ محمّص متحفزون حتى لقتال ذباب أنفوفنا، ونسيم شبابيكنا. ثم تقولون أن العنف ظاهرة غريبة عنا.
كما توقع كثيرون، فقد خرج سائق الباص وكنتروله سالمين، بعد الرعب المجتمعي الذي اشاعاه في الشارع العام، لأن المشتكي اضطر إلى اسقاط دعوته، إذ وجد أمامه شكوى من المعتدين ضده. فهؤلاء يعرفون قوانيننا وسقطاتها، وكيف تساوي القوانين بين الضحية والجاني في مثل هذه الحالات. فالطرفان في النظارة حتى إحالتهما إلى القضاء. وهذا خلل يجب تجاوزه.
ما آلمني ليس فقط السّادية (التلذذ بتعذيب الآخرين)، ولا القسوة المنبثقة من طفل يركل ويرفس زميله الصغير في مدرسته، ولا حالة البهجة في الطفل الذي صور الحادثة وأشاعها. بل ما يؤلمني أكثر وأعمق، أننا كسرنا نفسية طفل إلى أبد الآبدين، دونما أن نعي هذا، بعدما نشرنا وتداولنا الفيديو عبر واتساب وفيسبوك وتويتر.
فمن يستطيع أن يجبر نفسية هذا الطفل؟ من يستطيع أن يقيم أوده ويجعله في يوما ما راضيا عن نفسه، مفتخرا بها قادرا على تحقيق نصر حياتي أو معنوي؟ من يستطيع أن يداوي جرحه النازف؟ طالما بقي المشهد عالقا بهواتف الناس وذاكرتهم. فأية أخلاق تجعلنا نعمم مثل هذه المشاهد الموجعة التي تسيء لأصحابها وتحرجهم وتجرحهم. بعيدا عن القانون الذي يجرّم نشرها وترويجها؟
يترجل الكثير من سيارتهم لمتابعة حادث مروري طازح، ليس لتقديم المساعدة؛ بل للتصوير، وكأن لا حرمة لأوجاع الناس وخصوصيتهم. فقبل أشهر عرف شاب أن أخاه مات في حادث مروري، من خلال بث مباشر نشره واحد من عابري الطريق.
لن أدخل في متوالية التربية وظاهرة العنف المتاصلة فينا، من المدرسة إلى مجلس النواب مرورا بالشوارع والسيارات. ولكني أريد أن نشرع بتعميم ثقافة وأخلاقيات وقوانين وعقوبات نشر خصوصيات الناس وترويجها. الحكومة ومؤسسات المجتمع المحلي، والتنويريون وقادة الرأي كلهم معنيون بتمتين هذه الثقافة وإشاعته.
الدستور 2018-02-28