الذاكرة الانتقائية ونعمة النسيان
هل يمكن أن يكون النسيان نعمة؟
لطالما ارتبط النسيان في مخيلتنا بالشيخوخة والمرض والاعتلال الذهني، وغالبا ما نغبط الأشخاص الذين حباهم الله بذاكرة مميزة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل فعلا نحتاج الى تذكر كل ما يختزنه الدماغ من معلومات؟.
لا تكمن الوظيفة الرئيسية للذاكرة في حفظ المعلومات ونقلها عبر الزمن وإنما في مساعدتنا في اتخاذ قرارات ذكية في عالم يزداد تعقيدا. وللقيام بذلك يعمل الدماغ على التخلص الطوعي من كثير المعلومات التي قد تكون مصدر تشويش على عملية التفكير لدينا واتخاذ القرار، فالنسيان عملية فيسيولوجية وبيولوجية طبيعية، بل هي في صميم الذاكرة، وبدونها ستصبح المعلومات في ادمغتنا أشبه بخزانة الأدوات والملابس القديمة. لقد ركزت الدراسات التقليدية للذاكرة على ما يرسخ في أدمغتنا من معلومات مهملة، تلك التي يقوم الدماغ بالتخلي الطوعي عنها إلى أن بدأ العلماء مؤخرا في النظر الى الذاكرة كمحصلة لعملية التفاعل بين ما يستقر من معلومات وتلك العابرة.
هناك مرض نادر يدعى " هايبرثيميا" يعاني المصابون به من فرط الذاكرة ومن قدرتهم غير الطبيعية على استرجاع تفاصيل ايامهم الماضية، مما يجعلهم يقضون ساعات طويلة في تذكر أحداث هامشية والعيش فيها مما يسبب لهم عذابا ويحد من قدرتهم على المحاكمة العقلانية للأمور وربط الأحداث واتخاذ القرارات, فعدم القدرة على النسيان تؤثر سلبا على علاقتنا بالحاضر.
تصور هل ستقدم أي أم على إنجاب طفل ثان فيما اذا بقيت حبيسة لحظة الميلاد وآلامه، وما هو حال البشرية اذا ما بقي كل منا حبيس اللحظات المؤلمة في حياته يعيشها بتفاصيلها يوما بعد يوم.
نعم النسيان نعمة وهو عملية فيسولوجية وجزء أصيل من عملية الذاكرة لا مضاد لها وهذا ما يتم دراسته بعمق الآن من قبل علماء الذكاء الصناعي وذلك للاستفادة من آلية النسيان في الدماغ في تعليم الآلة ومساعدتها على التخلص من كثير من اللمم الذي قد يعيق ذكاءها ويحد من كفاءتها في اتخاذ القرارات الذكية.
الغد 2018-03-17