ثقافة سريّة !!
لو ان واحدا بالالف مما يقوله مثقفون وانصاف وارباع مثقفين في مجالسهم يكتب وينشر او يذاع لكان المشهد غير ما هو عليه ، لكن ما افرزه المكبوت العربي من شيزوفرينيا وتلون حربائي قسم الكلام الى همس ليلي وصخب نهاري، وهناك بالفعل من يلعنون مفاهيم وعادات واعرافا ليلا لكنهم يسبحون بحمدها نهارا؛ لأن الهدف في النهاية هو التأقلم والقبول في النادي الاجتماعي، الذي يشترط في عضويته ان يكون الجميع متساوين كأسنان المشط ومتشابهين كطبق البيض، ومن يغرد خارج السرب عليه ان يدفع الثمن، حتى لو كان السرب من غربان تنعق فوق الاطلال!
وقد يكون ما يسمى النقد الذاتي غائبا عن ثقافتنا العربية الى حد كبير، لكنه موجود بوفرة وفائض يصلح للتصدير في المجالس الخاصة، لهذا فهو منزوع الدسم والفاعلية، ويريح من يمارسون هذه الهواية وهي على الاغلب من أدبيات النميمة كما يفعل المخدر لبعض الوقت ثم يفقد مفعوله وعندئذ لا بد من مضاعفة الجُرعات!
ورغم كل ما عصف بالعالم العربي في الاعوام الاخيرة من اعاصير قلبت موائد ودمرت دولا وخلطت حابل القمح بنابل الزؤان، الا ان العرب لم يتلقحوا ضد تكرار الاصابات التي اصبحت وبائية بفضل العدوى وفقر المناعة !
وسيبدو المشهد اقرب الى كوميديا سوداء اذا تخيلنا خروفا يثغو في قطيع امام المسلخ يدرك ان دوره قادم، لهذا قد يشتبك خروفان على عشبة او نعجة في الطابور؛ لأن الادراك يشترط وجود خيال لدى الكائن يجعله يستشعر الخطر عن بُعد ويضع نفسه في مكان الاخرين!
هكذا اصبح في عالمنا العربي ثقافتان احداهما نهارية صاخبة ومُنافقة وحربائية، والاخرى ليلية سرية غالبا ما تكون بالهمس، ولأن الثقافتين مستقيمان متوازيان لا يلتقيان فإن انسداد الافاق سوف يستمر، والوباء يستشري.
الدستور 2018-03-18