"الشرطي النووي" الإسرائيلي
استعجال إسرائيل في الاعتراف، وكشف المعروف أصلا، بأنها دمّرت ما تسميه مفاعلا نوويا في دير الزور السورية، في أيلول (سبتمبر) 2007، إبان حكومة إيهود أولمرت، ووزير الحرب إيهود باراك، لم يأت صدفة في هذه الفترة بالذات، والغرض منه ليس سياسيا بالتأكيد، وإنما التهديد لدول المنطقة، وأولها إيران. ولكن ليس وحدها، فإسرائيل تعترض على كل المشاريع النووية المدنية، لأغراض الخدمات الإنسانية، في كل دول الشرق الأوسط.
ومن يذكر أيام ذلك العدوان على الأرض السورية، والتقارير التي نشرت في وسائل الإعلام العالمية، ولم تقر بها إسرائيل رسميا، لن يتفاجأ بشيء، مثل مسار اقتحام الأجواء السورية من البحر المتوسط، وطريق العودة عبر جنوب تركيا. ورغم ما كشف، وحسب ما نشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن الأجهزة الإسرائيلية أبقت قسما سريا في هذا الملف.
وما من شك، أن قرار الاستعجال في كشف هذا الجزء من العدوان على سورية، هو قرار من أعلى المستويات العسكرية والاستخباراتية، لغايات حربية مستقبلية. ولا يمكن أن يكون له دور سياسي، بمعنى أن بنيامين نتنياهو ليس مستفيدا على المستوى الشخصي والحزبي من هذا الاستعجال، لأنه كان في صفوف المعارضة في تلك الأيام.
ولذا فإن الأهم هو الرسائل العسكرية من هذا النشر. وحينما تكون الرسائل عسكرية، فهي بالتأكيد رسائل تهديد وليس سواه. ويخطئ من يعتقد أن التهديد موجه فقط لإيران، فمن تابع التقارير الإسرائيلية على مر السنين، وخاصة في الآونة الأخيرة، فإن إسرائيل تعتبر سعي الدول العربية في المنطقة، لإقامة مفاعلات نووية، لأغراض مدنية وإنسانية، مثل انتاج الطاقة، "مصدر قلق" لها، بزعم أن هذه المفاعلات قد تكون أساسا مستقبليا، لمشاريع تسلح.
رسائل التهديد كانت واضحة على لسان وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، ووزير الشؤون الاستخباراتية يسرائيل كاتس وغيرهما. ورغم هذا، يجب أيضا عدم الاستعجال في الاستنتاج بأن إسرائيل ستشن عدوانا اقليميا قريبا. فرغم المخاطر في هذا الاستنتاج، إلا أنه مبني على حسابات داخلية وإقليمية وعالمية.
فعلى المستوى الداخلي الإسرائيلي، فإن العصابة المنفلتة المسيطرة على الحُكم، ورغم سياساتها المتطرفة، إلا أنها لا تستطيع اتخاذ قرار بالحرب، دون قرار حاسم من المؤسسة العسكرية. كذلك، فإن الوضع الاقليمي القائم من قلاقل وحالة تفجر، هو وضع مريح لإسرائيل لتطبيق سياساتها على الأرض، وخاصة في ما يتعلق بتغييب القضية الفلسطينية عن الواجهة. وثانيا، أن إسرائيل ستحتاج لقرار أميركي داعم، ولا يبدو أن هذا ما يريده الفريق المسيطر على البيت الأبيض بزعامة دونالد ترامب، أو المؤسسة العسكرية الأميركية، أيضا لحسابات إقليمية وعالمية.
قدرات التسلح النووي، أينما وجدت، هي "الوصفة الأكبر" لإبادة البشرية. سألوا ذات يوم عالما نوويا سوفييتيا، من لديه قدرات نووية أكبر، بلاده أم الولايات المتحدة الأميركية، فأجاب: لدى الولايات المتحدة ما يبيد العالم كله 13 مرّة، ولدينا ما يبيد العالم كله مرّة واحدة. ولكن بعد المرّة الأولى فأنت لست بحاجة لأكثر، لأننا كلنا لن نكون.
وفي السجالات السياسية، والمناكفات، هناك من يتلاعب مع مسألة التسلح النووي، كما لو أنه في مباراة تحد رياضية، وهذا مثير للسخرية، ولكن أيضا للحزن، فأينما يسقط السلاح متفجرا، فإن البشرية كلها ستدفع الثمن. والموقف الإنساني الواحد والوحيد، هو معارضة التسلح النووي، في كل بقعة في العالم.
ولكن من المؤكد أن ليس الصهاينة من بإمكانهم أن يكونوا "الشرطي النووي العالمي". وسلسلة التقارير العالمية، تؤكد على وجود مخزون نووي إسرائيلي مدمّر، والأرقام متفاوتة، ولا قيمة لها، مهما انخفض حجمها أو زاد، فالحقيقة المدمّرة واحدة. وإسرائيل مقبلة على سيطرة عصابات، أشد تطرفا من الزمرة الحاكمة اليوم، بزعامة الأزعر المنفلت بنيامين نتنياهو، فقد علمت تجربة سنوات الألفين، أن كل حكومات اليمين المتطرف تخلف من ورائها حكومات أشد تطرفا، والاستطلاعات الحالية، تشير الى مستقبل أخطر.
ما يراد قوله، أن المخزون النووي الإسرائيلي، الذي يجب أن يباد مثله، مثل كل الأسلحة النووية في العالم على الاطلاق، سيكون في المستقبل المنظور بأيدي منفلتين، أشد تطرفا من نتنياهو، وهذا ما يجب أن يقلق العالم كله.
الغد 2018-03-24